من طرف الحكايتين اللتين ابتدأهما كاتبنا علي الموسى الأسبوع الماضي ألتقط بداية حكايات أخرى:

1: يدخل السعودي إدارته الحكومية متأخرا نصف ساعة.. بعدما يكون ركن سيارته في موقفها المعتاد تحت المظلة.. يدخل الإدارة حاملاً على كتفيه كل خمول المدينة، يجر الخطى بكل تثاقل.. يرمق المراجعين المتكدسين بطرف عين من خلف النظارة الشمسية.. يتمتم بنفس شينة "وش جايبهم على الصبح"؟! يدخل المكتب.. يغلق الباب خلفه.. يلقي بحسده المنهك بفعل السهر على الكرسي، يستحضر كل الكوابيس.. يبدأ بالنداء على "نور الدين" وكأنه "دلال سيارات"، يبدأ في سلسلة التناولات اليومية المعتادة.. يتناول طعام الإفطار، يتناول الشاي.. يتناول الصحف اليومية.. يتناول هاتفه الجوال.. يتناول هاتف المكتب: "وش صار على بدلات خارج الدوام.. ما صرفتوها" المكتب يئن بالأوراق المتكدسة.. بعضها معنون بعبارة "سري"، وبعضها" عاجل"، كل شيء موجود داخل المكتب.. يرتدي شماغه مجددا، يغلق أزارير ثوبه، يفتح باب المكتب.. يندلق المراجعون.. يحاول أن يبحث عن طاقة للعمل فلا يجد.. حالته مستعصية.. يرتفع آذان الظهر.. "الصلاة يا إخوان.. الصلاة جزاكم الله خير"!

2: يتواجد السعودي على مكتبه الأنيق قبل بداية الدوام بربع ساعة.. يبدأ في تناول كوب من القهوة: هدوء يلف المكان.. يبدأ العملاء في التوافد مع بداية الدوام.. يقف مرتين: مرة عند استقبالهم.. ومرة عندما يقوم بخدمتهم ويغادرون الإدارة الحديثة.. يعمل بجد.. يتحرك بحيوية وطاقة.. لا يستخدم جواله مطلقاً، المكتب نظيف.. واجهته زجاجية.. لا تجد فيه صحفا متكدسة ولا أوراقا ولا ملفات جاءت هنا بالخطأ.. لا شيء خلف الأبواب المغلقة و"لا فول ولا شكشوكة ولا هلال ولا نصر".. تشعر مع هذا الموظف البنكي أنك في مكان آخر لا علاقة له بالعالم الثالث مطلقاً.. تتمنى تكرار زيارته، لولا أن البنك يقوم بخدمتك عبر التقنية أينما كنت.. ليس ثمة فوارق هائلة بين الحكايتين.. مجرد شارع فرعي!