يهدف مفهوم (التمكين) في الإدارة إلى شيئين رئيسين هما: المشاركة في اتخاذ القرار، والحرية في العمل, وهو عملية تنقل مناخ العمل من الخوف والتردد إلى الثقة, ومن التحكم إلى المشاركة, ومن الفرد إلى الفريق, وتتحول به المنظمة من منظمة التحكم والأوامر إلى المنظمة الممكِّنة، التي تعطي الفرصة لموظفيها للمشاركة في صنع القرار وتمنحهم السلطة ضمن تخصصهم الوظيفي، والحرية لتحمل مسؤولية آرائهم وقراراتهم, وتزرع في نفوسهم الثقة. و(التمكين) عملية تتجاوز التفويض إلى آفاق أرحب من إعطاء المرونة الكافية لمديري العمل لزيادة السرعة والفاعلية والجودة, وقد أثبت تطبيق هذا المفهوم أثره الإيجابي في تحسن الأداء وزيادة الرضا الوظيفي وجودة الإنتاج في المؤسسات والمنظمات التي قامت بتطبيقه عالميًّا.
هذا الأسلوب الإداري الحديث نظريا إلى حد ما, كان الملك المؤسس (رحمه الله) يمارسه عمليا من خلال مخاطباته الإدارية لقادته وأمرائه وقضاته في المناطق والمدن والهجر، التي كان يختمها بعبارته الشهيرة دائما (ويرى الحاضر ما لا يرى الغائب). هذه المقولة التي تمنح لهم جوهري (التمكين)، وهما: الحرية في العمل والمشاركة في اتخاذ القرار, وقد جاءت قبل ظهور مفهوم (التمكين) بمائة عام, وبذلك فإن (مدرسة التمكين السعودية) الأولى التي تخرج منها العديد من القادة العظماء؛ كانت هي الرؤية الإدارية الثاقبة التي صنعت وطنًا شامخًا وكيانًا راسخًا.
وقد مارس أيضا خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) التمكين في أكثر من موقف، وخصوصًا عند إعلان الميزانيات، وهو يعطي الوزراء الكرام الثقة والحرية كاملة بمقولته التي عرف بها (من ذمتي في ذمتكم). وفي ظل هذا التوسع في الخدمات والزيادة السكانية، وهذا العصر التنموي الذي يحتاج منا جميعا المشاركة في إنجاح خططه.
وفي ظل توفر الكوادر البشرية المؤهلة في جميع مناطق المملكة, والقادرة ـ بحول الله ـ على المساهمة الفاعلة متى ما أعطيت الثقة وأتيحت لها الفرصة لخدمة الوطن. لم يعد من المقبول أن تحظى الوزارات، والخدمية منها خصوصًا، بـ(التمكين) ثم لا تمارسه على أرض الواقع. وإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فإن أهل المناطق أدرى بمناطقهم وباحتياجاتها, ولا سيما أن حاضرها يرى الواقع بعينه ويتلمس الاحتياج بنفسه, بعكس الغائب الذي يمارس التحكم والأمر عن بعد ومن الأبراج البيروقراطية.
تتويت:
إعطاء مجالس المناطق المزيد من الصلاحيات والميزانيات التنموية المستقلة ومنحها المزيد من التمكين، ربما يكون الأسلوب التنموي الأمثل في تحقيق تطلعات القيادة بإشراك المواطن الحاضر لرسم مستقبل منطقته التي يرى واقعها واحتياجها بعكس الغائب الذي لا يرى معاناتها.