لن تفاجئنا ميزانية الدولة المنتظرالإعلان عنها في الأيام المقبلة عندما تسجل رقما قياسيا، فبفضل الله تعالى ما انفكت خيراته عنا لسنوات عديدة رغم الاضطرابات والأزمات المالية التي تعصف باقتصاديات العالم، والتي لم تسلم منها معظم الدول. إلا أن التساؤل السنوي المكرر الذي يعكر حالة الفرح المصاحبة لمثل إعلان كهذا عن ميزانية تتقاطر منها مليارات الريالات هو (كيف يستفيد المواطن من هذه الميزانية؟)، فذاك سؤال لا ينبغي الاستخفاف به عطفا على قوائم الصرف المعلنة التي تصب في مشاريع تنموية عملاقة تخدم الوطن والمواطنين، فالناس قد تلامسهم تلك المشاريع وقد لا تلامسهم، وبعضهم قد يفهمها وبعضهم قد لا يفهمها، ومنهم من يدركها ويدرك أهميتها وقادر على استيعاب أرقامها وتفاصيلها، لكن شدة الحاجة وضغط المعيشة والضائقة المالية التي تحاصره من كل جانب تفرض عليه واقعا يدعوه لتجاهل كل ما يعرفه، وتدفعه لتجاهل كل القراءات والتحليلات المصاحبة لتلك الأرقام، ليحصراهتمامه في العائد الذي يتوقعه أو يتمنى أن يحصده بشكل ظاهر من تلك الميزاينات القياسية.

هذا السؤال السنوي المكرر والذي يصرخ به عدد ليس بالقليل من المواطنين حق مشروع لهم، وفي الوقت ذاته هو معلوم لدى الدولة، فخادم الحرمين الشريفين في كل عام وفي كل مناسبة وعبر جل خطاباته وكلماته لشعبه يحث ويحرض الوزراء والمسؤولين في الدولة على أن ينعكس خير تلك الميزانيات على المواطنين، وبلغ حرص الملك حد تهديد المقصرين وغير المبالين براحة وسعادة المواطنين ولعل عبارته المشهورة للوزراء (لا عذر لكم بعد اليوم فالخير موجود) حاضرة في ذهن المواطنين الذين لا يشكون مطلقا في نية وحرص الملك عليهم، وعلى مستوى معيشتهم ورفاهيتهم، إنما عامل الزمن عند الجهات التنفيذية والتسويف أو السوء في تحديد الأولويات، وقلة الأبحاث واستطلاعات الرأي العام التي ترصد واقع الناس وحاجاتهم الفعلية كان وراء عدم إحساس هذا المواطن أو ذاك بعوائد تلك الميزانيات على حياته، فكما قد قلت قد لا تعنيه الأرقام العالية لبناء وتشييد وصيانة ملاعب وحدائق وطرق وغيرها من المشاريع، وإن كان له نصيب منها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكنه يريد في نهاية الشهرأن يشعر أن راتبه له قيمة، يريد ألا تطارده هموم ما تبقى من راتبه في أول أسبوع من الشهر وهل يكفي لمنتصف الشهرأم لا، وكيف سيتكيف مع النصف الآخر من الشهر.

في ظني أن واحدة من السبل الممكن تحقيقها للرفع من مستوى معيشة المواطن والتي يمكن أن يستفيد منها جميع المواطنين العاملين في الدولة أو في القطاع الخاص أن تلتفت الدولة إلى خفض حجم المصاريف التي يدفعها المواطن شهريا عبر فواتير الكهرباء والماء والغاز والبنزين والرسوم المطلوبة منه تجاه أي خدمة يحتاجها، والتي كانت مجانا أو بسعر رمزي، والآن باتت باهظة ومكلفة وتأخذ رقما عاليا من راتبه الشهري، ثم الالتفات لجشع التجار وتلاعبهم بالأسعار في ظل غياب أي دور فاعل وحقيقي للجهات الرقابية الخاصة بحماية المستهلك.

مثل تلك الإجراءات التي يمكن أن تتحملها ميزانية الدولة ـ الفائضة دائما ـ سوف تفرح المواطنين عند سماع أرقام الميزانية لأنها ستلامسهم بشكل مباشر.