في خضم الأزمات الاقتصادية والجو المثقل بالتشاؤم حول مستقبل الاقتصاد العالمي، تتناقل وسائل الإعلام الاقتصادية صورة مشرقة من أبو ظبي. فالإمارة تقترب من أن تصبح مركزا عالميا لصناعة الطائرات التجارية. حتى إن تلفزيون بلومبيرج نقل الخبر بطريقة توحي أن الإمارة تحول تركيزها عن صناعة النفط إلى صناعة الطائرات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تمت ترسية عقد إنشاء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية على شركة الكهرباء الكورية بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار.
هذه السياسة الاقتصادية ليست بجديدة على دولة الإمارات العربية المتحدة، فمنذ عام 1976 قامت أبو ظبي بإنشاء جهاز أبو ظبي للاستثمار، وهو يمثل صندوق الاستثمار السيادي للإمارة. وبدأ الصندوق في تغيير استراتيجيته المحافظة بعد نحو عقد من إنشائه، ليبدأ الاستثمار في إنشاء الشركات مباشرة بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية. استراتيجية الاستثمار هذه التي تتوزع على دول العالم كافة بنسب متفاوتة، مع التركيز على الدول المتقدمة، زادت من القيمة المضافة لاستثمارات الصندوق.
على الطرف الآخر من صناعة الطاقة التقليدية، تأتي مبادرة مدينة مصدر للطاقة الشمسية. فالطاقة النووية تهدف لتخفيض الاستهلاك الداخلي للنفط لإنتاج الكهرباء. ولكن مدينة مصدر تهدف أن تبقى الإمارات مركزا لتصدير الطاقة في كافة أشكالها، سواء كانت تقليدية، أو عصرية ومتجددة. وحتى يتم الوصول إلى هذا الهدف، فإن المدينة أنشأت معهدا للدراسات المتخصصة في الطاقة المتجددة. ويخطط هذا المعهد لمضاعفة عدد المنتسبين إليه 4 مرات على مدى السنوات الخمس القادمة لتوفير الكفاءات القادرة على إدارة مبادرة بهذا الحجم والطموح.
خبر الاتفاق مع شركة إيرباص لتحويل أبو ظبي إلى مركز لصناعة الطائرات يشكل إضافة جديدة للسياسات والمبادرات السابقة الطموحة. فهذه الصناعة الثقيلة بحاجة إلى الكثير من الصناعات التحويلية والمكملة لها، وبالتالي هي قادرة على أن تكون محورا لتوسيع القاعدة الصناعية للدولة، وهو الهدف الأهم. فبتوسيع القاعدة الصناعية يتم خلق المزيد من الوظائف على كافة المستويات. وهذا النمو الصناعي سيدفع المزيد من الاستثمارات إلى تلبية الاحتياجات المحلية ضمن نطاق القاعدة الصناعية بشكل يحد من استيراد التضخم.
لقد أثبتت القاعدة الصناعية أنها الأساس الذي يمكن للاقتصاد الاعتماد عليه في الأوقات العصيبة مثل الأزمة التي نمر بها في هذه الأيام. فالصين لم تتأثر بقدر ما تأثرت الولايات المتحدة وأوروبا لأن اقتصادها يعتمد على الإنتاج الحقيقي، بعكس ما تحولت إليه اقتصاديات الدول المتقدمة – قبل الأزمة - من التركيز على قطاعات عالية الربحية ولا تخلق الوظائف بكثافة عالية. فالصناعة المصرفية هي التي خلقت الأزمة التي نعيشها، وابتكارات وادي السيليكون المتمثلة في آبل وفيسبوك حققت الكثير من الأرباح ولكنها لم تخلق الوظائف.
إن توسيع القاعدة الصناعية خطوة أساسية لضمان مستقبل الأجيال القادمة وتخفيف الاعتماد على النفط.