بعد الفاجعة التي حصلت في حائل وما تلاها في جازان من حادثين شنيعين للطالبات والسائقين ـ رحم الله الجميع ـ تنادى الناسُ أين المشكلة؟ وما هو الحل؟ وكلٌ أدْلى بدلْوه، إلا أنني سألقي الضوء على جانب ربما لم يتطرق إليه البعض؛ وهو التساؤل عن دور المجالس البلدية في مثل هذه الجوانب؟ ولماذا لا يكون لهم دور أكبر؟
كان الحادثان في منطقتين بعيدتين عن المدن الرئيسية، وربما لم تحصل تلك الطرق على الصيانة الكافية، كما أن أعين الرقابة قد تكون ضعيفة هناك بحكم البعد وقلة السكان ـ ربما ـ ولكن عندما تكون أعين الرقابة هي جزء من أهل البلد المقيمين في تلك المنطـقة فسيكون الأمر بلا شك مختلفا! فلو كان للمجلس البلدي صلاحية أقوى في الرقابة لربما تجاوزنا الكثير من المشاكل التي نعاني منها، وقد يكون أعضاء المجالس أكثر تحفّزا من غيرهم في إصلاح ومتابعة منطقتهم. وهذا ما دعاني لمناقشة بعض صلاحيات وأنظمة المجالس البلدية في هذه العجالة.
بالرغم من أن نظام البلديات قد أعطى المجالس البلدية حق الرقابة على سير أعمال البلدية في المادة 23 فقرة 10، إلا أنه لم يُعطهم صلاحيات فعليّة في الرقابة، حيث إن المجالس البلدية في حقيقة أمرها هي جهة استشارية ـ إن صح التعبير ـ كما يمكن إدراك ذلك من خلال النظام. وقد يكون هذا الوضع مناسبا وقتيّا إلى حين نموّ الوعي واستيعاب فكرة المشاركة الشعبية، إلا أن الوقت قد حان ربما لإعطاء المزيد من الصلاحيات لتلك المجالس التي اختارها الناس كي تتحسن أمورهم المعيشية.
من الأمور التي قد تحتاج إلى إعادة دراسة؛ توسيع صلاحية المجالس البلدية لتكون أشبه بمجالس الإدارات للشركات والهيئات العامة، وبلا شك أن هذا لا يمكن تطبيقه إلا بالتدريج، حيث ستنتقل المجالس البلدية بهذا من مجرد صلاحية الاستفسار والاستشارة إلى أن تصبح هي التي تصوغ السياسة العامة للبلدية، والمشاريع التي تحتاجها، وتضع الميزانية في حدود ما هو مخصص لها وتقرها، وتراقب وتحاسب في حدود صلاحياتها. كما أن وجود لجنة مراجعة أو رقابة داخل المجلس ضروري في نظري، فقد خوّلت اللائحةُ م5 (ب) المجلسَ في إقرار الحساب الختامي إلا أن هذا الإقرار يستوجب أن يُتاح للمجلس الاستعانةُ بخبراء في ذلك كمحاسبين قانونيين وغير ذلك. كما أنه يُفترض أن تصبح ميزانية المجلس من الوزارة مباشرة وليس من البلدية لضمان الاستقلالية، خلافا لما تنص عليه م26 في اللائحة التنفيذية لعمل المجالس البلدية.
ومن المواد التي قد تكون محل انتقاد على نظام البلديات؛ وهي المادة 26 حيث أعطت المجلسَ نفسَه صلاحيةَ سحبِ العضوية لأعضائه بتصديق الوزير (في حالات حددها النظام)، وهذا قد لا يتسق إداريا أن يكون قرار السحب للعضوية من نفس الجهة مع تساوي الرتبة الإدارية للعضو، مع اعتبار أن هذا العضو لديه شرعية كبيرة حيث قام الناس بانتخابه ولم يُعين بالتعيين فقط! وقد يُضعف هذا الأمر استقلالية أعضاء المجلس وقوّتهم. والعجيب أن اللائحة التنفيذية في م4 قد نصّت صراحة أن المرجع الإداري للمجلس هو الوزير ـ وهذا جيد ـ! إلا أن سحب العضوية مرجعها في النظام المجلس نفسه! وفي الميزانية إلى البلدية الفرعية!
وفي المادة الخامسة (هـ) في اللائحة أيضا؛ يُلاحظ عليها أن الصياغة غير واضحة، حيث ليس واضحاً فيها مَا هي الجهة التي تقرر المشاريع العمرانية التي تدخل في الميزانية السنوية للبلدية؟ ففي مكان تشير اللائحة إلى أن المجلس يقترح، وفي مكانٍ آخر تشير إلى أن المشاريع تكون حسب الأولويات التي يحددها المجلس! وعلى كلٍّ؛ أرى أن تحديد المشاريع ينبغي أن يكون من خلال المجلس وباقتراح من جهاز البلدية، عكس ما تشير إليه اللائحة، لتكون سلطة المجلس أعلى من البلدية. والأمر نفسه في المشاريع الاستثمارية التي ترغب البلدية (أو المجلس من تلقاء نفسه) في إنشائها أو تلك التي تعمل عليها، ينبغي أن تكون بإقرار المجلس لها.
هذه مجموعة أفكار، جمعتها من خلال قراءة نظام البلديات والقرى 1397 ولائحته، أرجو أن تكون مفيدة، ولا أجد نفسي بحاجة لأؤكد تقديري لجهود البلديات وعملهم الدؤوب في تحقيق أسمى التطلعات، إلا أن الجميع يجب أن يشارك لأجل الوصول إلى الطموح الأعلى ومساندة بعضنا بعضا.