دبلوماسية وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، لم تمنعه من توجيه رسائل للبيت الأبيض، ولمواقف الحكومة الأميركية الأخيرة الداعمة لمسألة التظاهرات في السعودية ووصفها بأنها حرية للتعبير السلمي، وجاء الرد حاسماً ومباشراً على موقف واشنطن "لا نسمح لأحد أن يتدخل بأي شكل من الأشكال" رافضا "المزايدة على موقف القيادة السعودية في الحرص على مصالح الوطن والمواطنين".

الصحفيون الذين حضروا المؤتمر الصحفي الذي عقد بجدة أمس، أدرجوا صراحة اسم "إيران" في الاحتجاجات التي طالت البحرين، وما حدث في السعودية، إلا أن الدبلوماسي المحنك، الذي عاصر مؤتمرات صحفية طويلة، لم يرد الدخول في أزمة سياسية مع طهران، واستطاع سحبها إلى العموم الدولي، بالقول "أي إصبع يرفع في وجه المملكة سيتم قطعه" معتبراً أنه ما دام أن المملكة لا تتدخل في شؤون الغير فهي لن تسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونها، وقال إن المملكة دولة ترتكز على الشريعة الإسلامية ولن تقبل لومة لائم في من يرون في هذا النظام شيئاً لا يريدونه.

وركز سعود الفيصل على الحوار الوطني الداخلي، مشدداً على أهمـيته والذي لا يمنع أي مواطن من التعبير عن رأيه في المشاكل الاجتماعية وغيرها من القضايا شرط ألا يكون هناك تعدٍّ على حقوق الآخرين.




ابتعد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عن "نهجه الدبلوماسي المعتاد" في مؤتمره الصحفي الذي عقد تحت سقف مقر وزارة الخارجية أمس في جدة، ليتولى عملية "تشخيص سياسي واسع" بحسب المراقبين.

كانت الأوضاع المتأزمة في المنطقة العربية، على رأس أولويات عميد الدبلوماسيين العرب، إلا أن الشارع السعودي كان محور اهتمام أكثر من 20 مراسلاً وصحفياً قدموا لتغطية المؤتمر.

الفيصل قال بوضوح إن السعودية لها خصوصية مثل ما لجميع الدول العربية خصوصياتها، مؤكداً "على منع أي تظاهرات أو اعتصامات في المملكة"، مستنداً في ذلك لما جاء في بيان وزارة الداخلية وبيان هيئة كبار العلماء قبل أيام بتحريم إقامة مثل هذه الاحتجاجات.


حقوق الآخرين

كان الحوار الوطني الداخلي، هو العنوان الذي حاول الفيصل إبرازه، مشدداً على أهميته والذي لا يمنع أي مواطن من التعبير عن رأيه في المشاكل الاجتماعية وغيرها من القضايا شرط ألا يكون هناك تعدٍّ على حقوق الآخرين، معتبراً أن أفضل وسيلة للوصول إلى ما يريده المواطن هي الحوار، سواء كان في المنطقة الشرقية أو الغربية أو الشمالية أو الجنوبية.

ومنذ الوهلة الأولى اتسمت تصريحات الفيصل بالجرأة، ووجه رسائل أو ما يمكن قوله حزمة مواقف رسمية للرياض، استدعت إيضاحها "الظروف الدولية والإقليمية".

إجابات الفيصل عن أسئلة الصحفيين الذين اكتظت بهم القاعة، لم تكن في أغلب حالتها "تمريرا سياسيا" كعادة الدبلوماسية السعودية التي تتسم "بالهدوء وعدم الانجرار وراء ردود الأفعال"، وحملت رسائل مباشرة، لأطراف وجهات دولية بعينها "الولايات المتحدة الأميركية".

وبعيداً عن الشحن المرتبط بالحديث السياسي، أخرج الفيصل الصحفيين من تلك الأجواء لبرهة خلال رده على أحد الأسئلة، يتعلق بإقالة السفير السعودي في القاهرة، هشام ناظر، بعد أن أظهر مقطع فيديو انتشر على "اليوتيوب" السفير وهو يتجاهل مواطنة سعودية بمطار القاهرة، ورد مبتسماً "إن مسألة تعيين وتغيير السفراء سر من أسرار وزارة الخارجية السعودية".





مطالب التغيير

مطالب التغيير والثورات في الوطن العربي، لم تغب عن إجابات عميد الدبلوماسيين العرب، حيث أشار إلى أن ما يحدث لا يمكن تعميمه مستنداً إلى الرقم 5، وهو عدد الدول التي علت فيها مطالب التغيير، ليدخلها في عملية حسابية من أصل 22 دولة، واستبعد الفيصل أن يكون خلف هذه الثورات مطامع خارجية للتدخل في الدول العربية، مشيراً إلى أن كل بلد له ظروفه الخاصة، وأن ما يحدث مزيج من عدة عوامل وليس عاملاً واحداً.


المشهد الليبي والرياض

وكما تصدرت الأزمة الليبية، التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من أسبوعين، الأحداث على الساحة الدولية، فإن المشهد ذاته تسيد مؤتمر الفيصل، الذي نفى تزويد السعودية "الثوار" الليبيين بالأسلحة، بطلب من الولايات المتحدة الأميركية، وقال "إن هذا غير صحيح ولا يُتخيل حدوثه".

واستمر النفي السعودي، في رده على سؤال لـ"الوطن" في عدم "طلب المجلس الانتقالي الوطني الذي شكله الثوار الليبيون، من السعودية الاعتراف بهم، وهو المجلس الذي شكل في الأيام الأولى من الثورة في بنغازي في السابع عشر من فبراير الماضي". وشدد على حرص المجلس الوزاري للجامعة العربية على وقف نزيف الدم الليبي، ووحدة أراضي ليبيا، واستقلالها، وحمايتها، وقال إن هذه المتطلبات تقع على عاتق الجامعة العربية والمجلس الوزاري.

وفي سؤال وجهه رئيس تحرير "الوطن" المكلف جاسر الجاسر حول مطالبة مجلس التعاون الخليجي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، أكد الفيصل أن مناقشة البيان الختامي الأخير للمجلس الوزاري العربي ستكون السبت المقبل.


رسائل للبيت الأبيض

دبلوماسية الأمير الفيصل، لم تمنعه من توجيه رسائل "للبيت الأبيض"، ومواقف الحكومة الأميركية الأخيرة الداعمة لمسألة التظاهرات في السعودية وأنها حرية للتعبير السلمي، وكان الرد حاسماً ومباشراً على موقف واشنطن "لا نسمح لأحد أن يتدخل بأي شكل من الأشكال"، ورفض المزايدة على موقف القيادة السعودية في الحرص على مصالح الوطن والمواطنين.

الفيصل الذي تعرفه دوائر صنع القرار الأميركية جيدا لمدة تزيد عن ثلاثة عقود مضت، استطاع أن يمسك بزمام ملف "العلاقات السعودية الأميركية"، التي تعود إلى منتصف أربعينات القرن الماضي، خاصة في ظل التباين السياسي الحالي بين الرياض وواشنطن على صعيد عدد من الملفات الإقليمية، وهو الجواب الذي ختم به الفيصل مؤتمره "إن كان هناك جفاء فهو ليس من طرفنا، مشدداً على حرص المملكة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأميركا، وإذا قوبل هذا التوجه بنفس الحرص من الطرف الآخر أتوقع أنه لن يكون هناك أي تغيير في العلاقات السعودية الأميركية".


الصحف الإيرانية والاختلاقات

الصحافة الإيرانية استحوذت أيضاً على جانب من مؤتمر وزير الخارجية، التي قال عنها بشكل صريح "إنها ليست المرة الأولى التي تختلق فيها الأحداث"، وذلك ردا على سؤال لـ"الوطن" عن نشر وكالة تريند الإيرانية الإخبارية الناطقة بالإنجليزية خبراً في السابع من مارس الجاري، منسوبا لمصادر مختلفة من أن الرياض ألغت زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد بعد تباين المواقف السياسية بينهما في الملف البحريني.

الصحفيون أدرجوا صراحة اسم "إيران"، في الاحتجاجات التي طالت البحرين، وما حدث في السعودية، إلا أن الدبلوماسي المحنك، الذي عاصر مؤتمرات صحفية طويلة، لم يرد الدخول في أزمة سياسية مع طهران، واستطاع سحبها إلى العموم الدولي، بالقول "أي إصبع يرفع في وجه المملكة سيتم قطعه، معتبراً أنه مادام أن المملكة لا تتدخل في شؤون الغير فهي لن تسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونها، مؤكدا أن المملكة دولة ترتكز على الشريعة الإسلامية ولن تقبل لومة لائم في من يرون في هذا النظام شيئاً لا يريدونه، مشيراً إلى أن التغيير يأتي عن طريق مواطنيها، والمملكة تعرف مصالحها وتعرف احتياجات المواطنين، وتعرف السبيل إلى الوصول إلى غاياتها، ومستمرة في حرصها على استقرارها وتوفير المصلحة العامة، وباب رأس الدولة مفتوح ويلتقي المواطنين يومياً، وأبواب المسؤولين كافة مُشرعة لتلقي مطالب وشكاوى المواطنين. وأضاف: "لن نقبل أي تدخّل خارجي من أي طرف، صغيراً كان أو كبيراً، وعندما نشعر بذلك سننهيه".


مصر الحاضرة

مدير مكتب صحيفة الأهرام المصرية في السعودية، أحضر معه ملف بلاده، ليؤكد الفيصل أنها "علاقة استراتيجية وعلاقة أخوة" معطياً ردودا في خانة "لمن يهمه الأمر" قائلا إن "ما يحدث داخلياً في مصر لن يؤثر على تلك العلاقات، ونحن نتعامل مع مصر ومع الإدارة التي تتولى تسيير شؤونها، وسنستمر في العلاقات الوثيقة معها لأنها في مصلحة البلدين ومصلحة الشعبين وفي مصلحة المنطقة كلها والعالم العربي والإسلامي"، ليمتنع بعدها عن التعليق حول مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، إزاء وجود نظام سياسي جديد في القاهرة قائلاً إن "ذلك يعود للإدارة الجديدة".