في يوم 17 أكتوبر من سنة 2008، أي قبل ثلاث سنوات وشهر وسبعة أيام بالضبط، كان سمو أمير منطقة جازان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، يزور مدينتي محافظة "ضمد". يومها كتبت في هذه الصحيفة، أن المواطنين في ضمد ممتنون أقصى غايات الامتنان لهذه الخطوة الجميلة المباركة التي أعادت لبعض الجهات، كالبلدية، شبابها وحيويتها وجعلتها تستنفر كل قواها، صباحاً ومساءً، نهاراً وليلاً، في تغيير وجه المدينة وتهذيبه وتلميعه وتنقيته من أي نمش أو بثور، فها هي الأرصفة تودّع شحوبها، في أقل من أسبوع، ويرحل غبارها المتراكم، وينحني عليها عُمال البويات والطلاءات الملونة يقبلونها بـ(فُرَشِهِمْ) الناعمة الحانية! وها هي مصابيح الإضاءة، أعلى أعمدة النور الممتدة على طول شوارع المدينة، الداخلية والخارجية، تستعيد عافيتها في لمح البصر وتصبح بين عشية وضحاها في كامل فتوتها، تبث نوراً تمرّد على خجله السابق، وامتلك الجرأة في غزو ظلام الطرقات بحضور أقوى وسطوع أشد كثافة. حتى الطرق الضيقة (توسعت) ونظفت بصورة أوضح عن ذي قبل، بل إن طرقاً جديدة ردمت وسفلتت في غمضة عين بعد أن كان مشروع سفلتة طريق واحدة لا تصل مسافتها إلى "1 كلم" تأخذ شهوراً وشهوراً!

قبل ثلاثة أيام، وتحديداً يوم الاثنين الماضي، كان أمير جازان، يحل ضيفاً على ذات المحافظة، مدينة ضمد، ليرأس الاجتماع الدوري لمجلس المنطقة الذي عقد هناك، فضلاً عن تدشينه لعدد من المشروعات التنموية، غير أن الأيام التي سبقت الزيارة كانت أيام استنفار غير طبيعية امتد فيها عمل البلدية الميداني وغيرها من الجهات إلى ساعات الفجر من كل يوم، صيانة وتجديداً وتجميلاً لكل تشوهات المكان وعلاجا مكثفا على مدار الساعة لكل جروح الإهمالات السابقة!. كان مشهداً مضحكاً ذلك الذي شاهدته في فيديو، عبر رسالة وسائط وصلت إلى جوالي بعد الساعة الثانية من صباح أحد الأيام الفائتة، ويحوي لقطات للعمال والمشرفين والمندوبين وهم يعملون على قدم وساق، فمنهم من يعمل بيديه ومنهم من يوجه ومنهم من يقود المعدات والمركبات! طبعاً هذه الحالة ليست مقصورة على ضمد أو جازان بل هي تشمل كل أنحاء المملكة مع الأسف الشديد! ما يجعل الأمر مكشـوفاً وواضحاً للعيان ومثيراً للأسئلة هل ما تقوم به هذه الجهات اهتمام بالمواطنين؟ أم خوف؟ وإلا لماذا لم يظهر إخلاصهم في أداء واجبهم واهتمامهم بالمواطنين وإصلاح المكان إلا قبيل الزيارة؟! وبالصورة التي جعلت المدينة لامعة ونظيفة وبراقة كالوميض كما رأيتها ذاك المساء بعد أن انفض المولد لدرجة أنني اعتقدت أنني أخطأت في العنوان، وزدت حيرة عندما مررت بجانب المستشفى العام الذي دشنه الأمير، فلمحت في فنائه رؤوس 4 سيارات إسعاف تقف بكبرياء وثقة، وهي التي كانت اثنتين فقط قبل فترة! كنت أحسب أن المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة استجابت لاحتياج المستشفى إلى مزيد من هذه المركبات المهمة، لولا أنني عرفت بعد حين من الحلم الجميل أن سيارتي الإسعاف الجديدتين ليستا سوى معارتين من الجيران أي من مستشفى آخر كي تبدو الإدارة الصحية في مظهر لائق أمام الحاكم الإداري وأنها تنفذ توجيهاته بتوفير متطلبات المستشفيات والمرضى، ولهذا كانت دهشة الناس أعظم عندما شاهدوا في كل عيادة طبيبين في ذلك اليوم، وللدهشة أن تمد رجليها وهي ترى المستشفى مكتمل التجهيزات تقريباً في ليلة خاطفة، وهو أي المستشفى الذي كلف 40 مليون ريال بسعة 50 سريراً كان يشكو غياب أجهزة وأدوات ومعدات لا يمكن لأي مشفى أن يؤدي رسالته تجاه مرتاديه بدونها! وقد سمعت أن الأجهزة أيضاً مستعارة من مستشفى آخر! وإذا صح كل ذلك فهي كارثة حقيقية وشيء مؤلم جداً لأنه يمثل تضليلاً لأنفسهم وللناس، لأن الحاكم الإداري لم يأت من أجل هذا فقط، أيْ ليرى أنّ كل شيء على ما يرام بل أيضاً وهو الأهم عنده أن يعرف النقص والاحتياجات ليعمل على سدها ودعم جهود الإدارات التي تتبعه كي تحقق متطلبات الناس وتقدم لهم خدمات في مستوى الوضع الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا ولله الحمد كما هي أوامر وتوجيهات ملك البلاد خادم الحرمين الشريفين أطال الله عمره.

أما الأرقام ومئات الملايين التي قرأتها في الصحف عشية هذه الزيارة فلها مقال آخر قريب بمشيئة الكريم، لأنها مبالغ طائلة ولم يكن هناك تفصيل للمشروعات بل كلام عام فضفاض غير محدد! مثلما هو مكتوب أنه تم وضع حجر أساس لمشاريع بلدية بتكلفة 85 مليون ريال تشمل سفلتة وإنارة وأرصفة لمدينة ضمد وبعض القرى المرتبطة بها!

أعود للزيارة وأثرها الإيجابي على المدينة وأهاليها داعياً المسؤولين أن يجددوا زياراتهم التفقدية للمدن والقرى التي تتبع لهم، كلما سنحت لهم الفرصة ولو مرة واحدة في الشهر أو مرتين في العام الواحد، من باب التحفيز على الأقل، تحفيز المسؤولين عن المدينة على مزيد من العمل، فلعلهم يتعلمون، بالتدريج، هم وغيرهم ممن يتقلدون هذه المسؤوليات في كل أنحاء وطني، إن (الولاء) في أصله، في أساسه، وفي عمقه يكون للوطن أولاً، كونه إذا تحقق على هذا النحو سيتحقق للأشخاص، بل سيكون هذا الولاء فاعلاً ومنتجاً ومسهماً في ازدهار البلد!

إن إرضاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، ومن يمثله من الأمراء والحكام الإداريين يكون بتقديم خدمة راقية للمواطنين وبتيسير أمورهم والاهتمام بمتطلباتهم أولاً بأول، وليس بالانشغال، مثلاً، بلوحة قماش مطرزة ببيت من الشعر، أو لوحة نيون لامعة بكلمات الترحيب تعلق لبعض الوقت في مدخل المدينة أو المستشفى أو الإدارة.