المخرج العربي الوحيد الذي لا يمكن أن يصوّر بالكاميرا إلاّ في الشارع, هو المخرج محمد خان.
إنه يصوّر في الشارع كلّ مشاهد أفلامه, لأنه مؤمن بشيء اسمه حرارة الحياة في الشارع, وبالتالي حرارة الحياة في أداء من يمثّل, وحرارة الحياة في صور الكاميرا, وفي صوت السيّارات والعابرين, وهذا يضخّ الحياة في مفاصل العمل السينمائي الواقعي, وينقله من دائرة التمثيل, إلى دائرة الواقع الحقيقي المُعاش.
رغم إني شاهدت ثلاثة أرباع أفلامه التي تجاوزت العشرين, إلاّ أنني لا أتذكرّ أن محمد خان صوّر فيلماً, أو مشاهد من فيلم, في مدينة إنتاج, أو أماكن تصوير ذات ديكورات داخلية جاهزة, ذلك أن عبقرية محمد خان, ترفض أن يكون الفيلم السينمائي خشباً وديكورات وأضواءً لا روح فيها ولا طعم.
فيلم "مشوار عمر" فيلم سينمائي رائع, رغم بساطة قصته, وفيه أخرج لنا محمد خان, فاروق الفيشاوي في شكل فاروق الفيشاوي المملّ في كثير من أدواره وأفلامه, ولو لم يخرج محمد خان إلاّ فيلم "مشوار عمر" لكفاه أن يكون مخرجاً هاماً على مستوى السينما العربية, ولو لم يمثّل فاروق الفيشاوي إلاّ دور "عمر" في هذا الفيلم, لكفاه أن يكون ممثلاً بارعاً, والفضل هنا يعود لعين المخرج ويديه وفكره.
في أفلامه المهمة, مثل "مستر كارتيه" و "الحرّيف" و "زوجة رجل مهم" و"الرغبة" وغيرها, قدّم محمد خان صورة محمد خان, وكاميرا محمد خان, وروح محمد خان, إلى أن نجح في الوصول إلى فيلم محمد خان الذي يمكن تمييزه عن أي فيلم لمخرج مصري أو عربي آخر.
إذا ما استثنينا فيلمه السياسي "أيام السادات", فإن كل أفلام محمد خان المتبقية, هي أفلام واقع, تتمحور كل قصصها وسيناريوهاتها وبطولاتها, حول شخصية المواطن المصري البسيط جداً, والمواطن العربي البسيط جداً, في يومياته وهمومه, وأحزانه وأفراحه, وفكره وتطلعاته, وأحلامه المقتولة والتي لا تزال حيّة.
وحتى آخر فيلمين له, "بنات وسط البلد" و "في شقة مصر الجديدة", يبقى "خان" هو "خان" الذي لا يخون عينه السينمائية وكاميرته الخاصة جداً.
[email protected] .sa