تجاوز معدل البطالة في المملكة 10% منذ عدة سنوات، حسب الإحصاءات الرسمية، وتبلغ النسبة أضعاف ذلك بين الشباب وحديثي التخرج. وهو وضع محير باعتبار أن الاقتصاد السعودي في نمو مستمر، بل تضاعف حجمه خلال بضع سنوات، مما كان من المفروض أن يُترجم إلى انخفاض في معدلات البطالة بدلاً من ارتفاعها. ولكن الاقتصاد تضاعف، وأنتج ملايين الوظائف، ولكن حظ المواطنين كان منها قليلاً. فمعدل البطالة الرسمي بلغ 10.5% في عام 2009، وهي آخر سنة تتوفر عنها إحصاءات، وتُشير المعلومات التي تم جمعها مؤخراً، استعداداً لتطبيق برنامج إعانة الباحثين عن العمل خلال أسابيع، إلى أن معدل البطالة ربما يكون قد تجاوز تلك النسبة بكثير.

ومما يزيد الحيرة ويُعجز الخبراء تفسيراً وتحليلاً، أن العاطلين عن العمل في المملكة أكثر تعليماً، في المتوسط، من زملائهم الذين يعملون. فحسب الإحصاءات الرسمية، فإن 44% من العاطلين هم من خريجي الجامعات، و13% حاصلون على دبلومات، و26% على الشهادة الثانوية. أي أن 83% من العاطلين يحملون شهادة الثانوية فما فوق. ولا تتجاوز نسبة الأميين منهم 1%.

وهذا الوضع لدينا هو نقيض ما يتوقع الخبراء في مثل هذه الحالات. ففي معظم الدول، ثمة علاقة عكسية بين البطالة ومستوى التعليم، فكلما ارتفع مستوى تعليم الأفراد، انخفضت معدلات البطالة في صفوفهم. أما لدينا فالعكس هو الصحيح، فكلما ازداد تعليمك، قلت فرص العمل المتوفرة لك.

والحقيقة أن انتشار التعليم العالي خلال العقد المنصرم أمر مبهر في المملكة، كما هو مبهر ارتفاع مستوى الإنفاق على التعليم العالي. وقد ارتفعت أعداد الملتحقين في صفوف التعليم العالي بنسب متسارعة، بلغت في المتوسط 9% وتجاوزت ذلك في بعض السنوات، وتضاعف عدد الخريجين لدينا خلال سبع سنوات فقط!

ولكن لماذا لا يجد هؤلاء الخريجون وظائف؟ ولماذا لا يراهم أصحاب الأعمال جديرين بالعمل؟ يظن البعض إن مستواهم العلمي ليس كمستوى الخريجين في الماضي، أو أنهم أقل ذكاء ومعرفة من خريجي أيام زمان. ولكن هذا مشكوك في صحته، إذ إن الكثير من الأبحاث تُظهر أن خريجي اليوم يملكون، في المتوسط، معرفة عاماً وتحصيلاً علمياً يفوق ما كان يملكه آباؤهم حين تخرجوا في الجامعة.

ولكن التحصيل العلمي العام شيء، والقدرة على الحصول على وظيفة في سوق العمل الحالية شيء آخر. فأصحاب الأعمال هذه الأيام يبحثون عن معارف ومهارات محددة من الواضح أن التعليم الجامعي لدينا فاته أن يزود الطالب بها، وهي معارف ومهارات غير تلك التي كانت سوق العمل منذ عشر أو عشرين سنة تتطلبها. أي إن سوق العمل تغيرت جذرياً ولكن الجامعات لم تتغير، إلا قليلاً.

وقد تغيرت كذلك المسلّمات لدى علماء الاقتصاد فيما يخص هذا الأمر. فلسنوات طويلة، كان مسلماً به من قبل علماء الاقتصاد أن ثمة علاقة وثيقة ومباشرة بين التعليم بشكل عام والنمو الاقتصادي، وكان من المعتقد أنه كلما زاد مستوى التعليم في البلد (أي كلما زاد عدد سنوات التعليم التي يحصل عليها المواطن)، ازداد معدل النمو الاقتصادي، وفرص العمل، ودخل الفرد والدخل القومي.

ولكن الدراسات الجديدة، التي تم القيام بها في ضوء التغيرات الهيكلية الجذرية في أسواق العمل، تظهر أن "نوعية" التعليم تؤثر في النتائج، ربما أكثر من "كمية التعليم"، وأصبحت جودة التعليم وانسجامه مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمع أكثر أهمية من التوسع غير المبرمج في التعليم. وعلى سبيل المثال، تُظهر بعض الدراسات أن ارتفاع مهارات الطلبة في الرياضيات والعلوم مؤشر أكثر أهمية في تحديد إنتاجية الباحث عن عمل، مما يجعله أكثر جاذبية لأصحاب الأعمال.

فالقدرة على الحصول على عمل إذن تحددها مهارات محددة أكثر مما يحددها عدد السنوات التي قضاها الطالب في الجامعة. فهل تقدم جامعاتنا هذه المهارات؟

فيما يتعلق بالتخصصات في جامعات المملكة، تُظهر الإحصاءات التعليمية أن الغالبية العظمى من الخريجين (70%) هم من خريجي العلوم الإنسانية والنظرية، وأن أقل من (18%) تخرجوا في الطب والهندسة والعلوم، و(12%) في العلوم الإدارية والاجتماعية.

ولكن التخصص هو مؤشر واحد فقط، ففي بحث استطلاعي تم في المملكة، أظهر أصحاب الأعمال اهتماماً بمهارات محددة، مثل اللغات الأجنبية، والمعرفة بالحاسب الآلي، والانضباط والالتزام، أكثر من اهتمامهم بالشهادات التي يحملها الباحث عن عمل. ولهذا فإن ما يدرسه الطالب داخل التخصص ربما كان له تأثير أكبر من مجرد اختيار التخصص المناسب. فخريج أحد التخصصات النظرية قد يستطيع الحصول على وظيفة بشكل أسرع من زميله المتخصص في العلوم أو الرياضيات أو الإدارة، لو كان مُزوّداً بمهارات قوية في الحاسب الآلي، واللغات، والقدرة على الكتابة والتواصل مع الآخرين، أو لو كان قد تزود ببعض الخبرة العملية خلال تلقيه التعليم الجامعي.