في الشهر الماضي، تلقيت دعوة كريمة من الإخوة والأخوات في مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام للمشاركة وحضور ندوة مع ورش عمل تعنى بالتعليم الثانوي، وهذه المبادرة من قبل إدارة مشروع تطوير تحسب لهم من حيث إشراك المجتمع بجميع أطيافه في عملية تطوير التعليم، وخصوصاً الآباء والأمهات، على الأقل أنها تمثل مبادرة أولية، نأمل أن تتبعها مشاركات فاعلة واستراتيجية ومؤسساتية، كما نؤكد على أننا كآباء وأمهات ومسؤولين وكتاب وإعلاميين مع إدارة مشروع تطوير قلباً وقالباً في مشروع الوطن الأهم والأعم، والأساس لكل مشاريع المملكة – تطوير التعليم العام – على أنه من المهم توفر جميع متطلبات العمل المؤسساتي من شفافية وصراحة وتحمل مسؤولية ومشاركة في الإدارة والمتابعة والإشراف، وهي متطلبات للنجاح، وما سواها إعلان للفشل، لا سمح الله.

تم في الندوة استعراض عدد من التجارب الدولية في التعليم العام مثل أميركا وسنغافورة وإيرلندا، وهي تجارب سبق استعراضها في عدد من المحافل التعليمية الداخلية، أو من خلال زيارات دولية لفرق عمل تطوير التعليم العام خلال السنوات الماضية، كما تمت أيضاً مناقشة تعليم الثانوية وما يتمناه المستفيدون من مخرجات التعليم العام (خريجي الثانوية العامة) (Wish List)، وهي أيضاً ليست جديدة، وما زلنا نكررها على مدى سنوات وقرون.

بالتأكيد، تطوير التعليم له بعد زمني طويل الأجل، ليس سنة أوسنتين ولكن من 20-30 سنة، شريطة أن يتم العمل بشكل مؤسساتي وبنظرة طويلة الأجل وبخارطة طريق واضحة وعملية، وبتعامل مع الملفات الصعبة وليس بتجاهلها، وليس لتحقيق أهداف شخصية أو لإرضاء وتحقيق رغبات أشخاص، أو حسب التغيرات في الإدارات أو الأشخاص، كيف لا ونحن نتحدث عن التعليم العام، كيف لا ونحن نتحدث عن تجهيز وتربية أجيال المستقبل، كيف لا ونحن نتحدث عن التعامل مع العقول الناشئة، أساس ومنطلق تطور الأمم.

مشروع تطوير التعليم يعتمد على تطوير أركان التعليم الأساسية: المعلم والطالب والمنهج وطرق التعليم، أما التركيز على تطوير المناهج أو البيئة التعليمية بشكل مستقل وتخصيص جل المخصصات المالية لهذه المشاريع الفرعية – وهو ما يحصل الآن – فلن يتقدم بالعملية التعليمية شيئاً لأن الركن الأساسي هو المعلم والمعلم والمعلم قبل أي شيء آخر.

من وجهة نظر خارجية، مخلصة وحريصة على مصلحة الوطن وأبنائه، ويدا بيد مع إدارة مشروع تطوير الذين لا نشك أبداً بصدق نواياهم أو توجهاتهم، رغم ما يجري من اختلافات ومناقشات لا تهدف إلا إلى لفت النظر للمسائل الصعبة التي يجب التعامل معها ومساعدة المشروع في التعامل معها، وبوجهة نظر مجردة من التحيز أو المجاملة لأحد ولكن للوطن أولاً وأخيراً، وبوجهة نظر يعبر عنها كثير من أبناء وبنات الوطن؛ فإن الملفات الصعبة التي تواجه تطوير التعليم ليست في تحديد مواصفات ونوعية مخرجات التعليم أو استعراض تجارب دولية أو القيام بزيارات دولية أو بناء المدارس أو تنفيذ مشاريع تقنية أو تحديث مناهج أو ترجمة كتب، وإنما في عدد من القضايا، من أهمها:

1. نوعية ومواصفات المعلمين والمعلمات المطلوبة للتعامل مع أبنائنا وبناتنا من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية، ما بين مجموعة من المتميزين والمتميزات في جميع المجالات، وما بين مجموعة أخرى لا علاقة لها بالتعليم ويجب ألا تكون جزءاً من العملية التعليمية وذلك إما بسبب عدم كفاءتهم التعليمية أو لعدم توفر الأخلاق المناسبة والمطلوبة للمعلم، ولكل فئة من هؤلاء ينبغي وضع الحل المناسب للتعامل معها، آخذين في الاعتبار مصلحة الطالب والوطن. كما أن موضوع سعودة المعلمين يمثل مشكلة وعائقا في سبيل الحصول على أفضل الكفاءات وخصوصاً في حقول اللغة والعلوم والرياضيات. في أي دولة، والسعودية ليست استثناء، من الصعب توفر كفاءات محلية في مجالات علمية وبالعدد الكافي، وهذا ما تعانيه المدارس الحكومية حالياً، حيث إنه ليس من غير المعتاد أن تجد معلمة جغرافيا في المرحلة الابتدائية تكلف بتدريس مادة الرياضيات نتيجة لعدم توفر معلمة متخصصة لهذه المادة، والأمثلة كثيرة. وكنتيجة حتمية لقرار السعودة فقد هاجرت الكفاءات غير السعودية من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، مما أدى إلى تحسن مستوى المدارس الأهلية مقارنة بالحكومية.

2. تعيين ونقل المعلمات بين حوادث الموت ومتطلبات المجتمع المحافظ، مجتمع لا تملك المرأة المتعلمة فيه من فرص عمل إلا في مجال التعليم – على الأقل أغلب فرص العمل ـ فالمعلمة تقوم بعمل أساسي ووطني كأم تعنى بتربية أبنائها بالدرجة الأولى الذين يحتاجون فيها إلى تواجدها وحنانها ووقتها بدلاً من غيابها عن البيت للسفر بين المدن بشكل يومي، كما أن حياة مواطنة سعودية تعمل في سلك التعليم – سواء كانت ابنة أو أماً أو أرملة أو مطلقة – كأنها بلا ثمن، فكيف نرضى ونقبل ونهمل ونعرض حياة أخواتنا وبناتنا للخطر كل يوم وهي تنتقل من بيتها بعد منتصف الليل إلى مكان عملها على بعد مئات الكيلو مترات، لتعرض نفسها وزميلاتها لحوادث قد تؤدي إلى موتها، وقد حصل، لتقتل معلمات ويتتم أطفال ويترمل أزواج، حالات يندى لها الجبين وتدمع لها العين وينفطر لها القلب، وما زال مسلسل الحوادث مستمراً.

تستطيع الوزارة حل مشكلة تعرض المعلمات لحوادث الطرق الطويلة بشكل فوري وقاطع، وذلك من خلال حزمة من القرارت تبدأ بمنع تعيين المعلمات خارج مدن سكنهم، مع استيعاب أعداد أكثر من المعلمات في المدارس داخل المدن، فالدولة قادرة مالياً على استيعاب الخريجات السعوديات وتوظيفهن، إضافة إلى الاستعانة بالمتعاقدات في المناطق النائية كما كان في السابق.

3. طريقة التعليم ما زالت تعتمد على التلقين والحفظ والتقيد بمحتويات الكتاب التدريسي، أسلوب يقضي على فرص الإبداع لدى المعلمات والطلاب على حد سواء، أسلوب ما زال مستمراً لعشرات السنوات، فهل نرى هناك مجالا للتغيير وتبني الطرق الحديثة للتعليم؟