أنتج أوليفر ستون الأعمال اللاممتعة لكنها، تتبنى مواقف إشكالية وتكشف وجهات نظر وتعبر بفجاجة عما يمكن توصيفه بـ"الوقاحات اليسارية" في السينما الأميركية، المشهد جامد والشخصيات متحجرة، لذا لجأ إلى أبطال من نوعية تومي لي جونز وكيفين كوستنر ووليام دافو وشارلي شين ومايكل دوغلاس.. وجوه بلا تفاصيل بمشاعر خشبية وكثير من الحياد، لكن القيمة في الحوار والموقف والصيغة، نقد في "بلاتون" تجربة فيتنام بجلافة، وشتم الميديا في "قتلة بالفطرة" واتهم المخابرات وشركات الأسلحة في "كينيدي" ووصم سمعة تركيا بالعار بعد "قطار منتصف الليل" لكنه في كل الأوقات ظل مثيرا في كل ما يخرج ويكتب، عاكسا معادلة المتعة والفرجة، فالرجل لا يهتم بما تشاهد بقدر ما يهتم بما يشدك، لذا كان على طول الخط فتى هوليوود المشاغب والمجنون، صائد الرؤساء كما يصيد الجوائز، والناقد اللاذع لكل ما يتعلق بالسياسات الأميركية للحكومة والمجتمع والمنظومة القيمية عامة، الموت لديه عامل جذب وقيمة مشتركة، لذا تحوم حوله كل أفلامه، ليس سطحيا مثل سكورسيزي ولا متقوقعا مثل نيل جوردان ولا مبهرا مثل جيمس كاميرون ولا صهيونيا مثل سبيلبيرغ ولا ملحميا مثل كوبولا.. هو خليط من أشياء عدة من حرية الفن ورشاقة الأفكار ومخاتلة الصورة وحدة المبدع القادر على إحداث الفرق في صناعة يسيطر عليها هاجس السوق، في بلد يسيطر عليه هاجس السوق، هذا السوق الذي تصنعه سياسات مهووسة بالسيطرة في بلد يضيق ساسته بالحقيقة كما يضيقون بربطات أعناقهم.

في تجربة أوليفر ستون ربما لاتوجد متعة كبيرة بمعناها الشعوري لكنها مثيرة ومميزة وعصية على أن يتجاوزها الراصد لتاريخ الفن السابع، محطات في سينما قاسية ولكنها صريحة، جافة بصدق لا ينكر، قادرة أن تجعلك تتساءل في كل مرة تشاهد فيها عملا من أعمال ستون عن جدوى الفن ما لم يكن إشكاليا ومثيرا يجعل علامات الاستفهام تتراقص في رأسك، رأسك الذي يستعيره منك بداية كل عمل ليعيده إليك نهايته.