سيستمر الجدل حول الثورات العربية الحالية، مع أن الحماس الذي كانت تتمتع به من قبل خفت مع أحداث الدم، واحتمال وصول بعض المتطرفين إلى السلطة ممتطين أحلام الشباب لصالح مشاريعهم الضيقة. كنتُ أسأل رئيس الحكومة الليبية السابق محمود جبريل، أين هم شباب الفيسبوك في ليبيا وفي مصر وفي تونس؟ لأن الطبقة التي خرجت على الساحة السياسية ليست هي التي أشعلت الثورات وكسرت حاجز الخوف. لم يخرج شباب الفيسبوك في ليبيا على أنهم مستثمرين سياسيين بل هم الذين ينزلون إلى الميادين بصدورٍ عارية، ثم يأتي سماسرة السياسة في اللحظات الأخيرة ليختطفوا الثورة لصالح مشاريعهم الضيقة.
الذي يجري في سورية ليس شيئاً عادياً، فالنظام السوري بقسوته يحاول أن يرهب الناس بالقنابل والرصاص والشبيحة، بل واشتغلت الطائرات التي ملأها الصدأ ولم تحلّق في أجواء إسرائيل "العدو" بل حلّقت في سماء اللاذقية وغيرها من المدن السورية، واستخدمت السفن لقصف المتظاهرين، مستعيداً نماذج ستالين وصدام حسين!
ما يقوم به السوريون ليس سهلاً، يقتل في يومٍ واحد أكثر من سبعين متظاهراً ومع ذلك يخرج الناس بمئات الآلاف، ما يعني أن الإصرار لا يزال سيد الموقف هناك، ومما أعجبني وصف خالص جلبي للثورة السورية بأنها "كسرت حاجز الخوف، وأن النظام السوري يريد للثورة أن تكون ولادةً قيصرية لا ولادةً طبيعية"، لكن اختلاف نوع الولادة لا يمنع الوليد من رؤية النور، وإن تألمت الأم، فنظرة من وليدها تبلسم الجراح، وتشفي الآلام.
بالتأكيد سنظل نتحدث عن الثورات لجهة الثمار المنتظرة، ومن حق الجميع أن يتساءل عن المردود السياسي والواقعي، لأن مثل هذه الثورات هي بداية لمخاض كبير، وأنا أقترح على علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة إيلاء هذا الحدث الكثير من الاهتمام.
سيكون الوضع صعباً خلال السنوات المقبلة، وستكون هناك "شهور عسلٍ" كثيرة مستقبلاً، سرعان ما تمضي بالعيش نحو الرتابة كما يمكن أن يجري في مصر، غير أن الأهم أن تكون عيون الشعوب مفتوحةً لتحصين الثورات التي دفعوا فيها الأرواح من امتطاء هذا التيار أو ذاك.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا أدري أين هم الشباب، أولئك الذين نظّفوا ميدان التحرير، والذين قاموا بجهدٍ كبير في توعية الناس بالوحدة الاجتماعية، والذين كانوا فنانين على الجدران يرسمون طموحاتهم ويعزفون أغنياتهم وأحلامهم، من غيّبهم؟ وأين هم؟ ومن الذي جاء بمن هم على المشهد الآن؟! أسئلة تطرح نفسها وستستمر.