"يا بخته عنده سيارة ..أكيد أمه موظفة" تلك هي العبارة التي يطلقها المراهقون عند مرور أحد أقرانهم في شارع يقود سيارة أحدث موديل. تلك الظاهرة تجلت بوضوح لحاجة المرأة للسيارة التي تقلها إلى عملها وتعينها في قضاء متطلباتها خارج المنزل وهي الحاجة التي لا تواكبها غالباً ظروف الزوج وانشغاله بعمله وأموره الخاصة التي لا تترك له وقتاً لقضاء مشاوير الزوجة. كما أن رفض العديد من الأسر لتواجد رجل غريب بينهم تحت مسمى سائق دفع العديد من النساء "العاملات تحديداً" إلى الاستعانة بأبنائهم للقيام بتلك المهمة حتى وإن كانوا أقل من السن القانونية لحمل تصريح قيادة السيارة, وذلك للهروب من تذمر أزواجهن عند طلبهن لهم باصطحابهم لقضاء المشاوير الضرورية.
وفي المقابل يؤكد عدد من الأمهات الموظفات أن شراء السيارة للابن دون السن القانونية يعتبر "رخاوة في التربية" ويفرز نتائج سلبية كثيرة قد تؤثر على مصيرهم في التعليم .
مرض معد يولد الحقد
وعن تلك الظاهرة تقول أخصائية التربية الأسرية والاقتصاد المنزلي مسفرة الغامدي: قيادة صغار السن للسيارة تنتشر في الأسر ميسورة الحال خاصة إذا كانت الأم موظفة، وبدأت تنتشر في باقي الأسر وكأنها مرض معد سريع الانتشار. وتؤكد الغامدي أن على الأمهات الموظفات والميسورات ماديا إدراك مدى الخطورة التي قد تؤثر على الأبناء الصغار جراء قيادة السيارة، وأن ذلك من شأنه أن يولد الحقد في قلوب بعض الأقران جراء ما يتميز به ابن الموظفة من امتيازات قد لا تتاح لغيره، مما ينذر بانقلاب على صعيد الأسر غير القادرة على تلبية رغبات أبنائها مقارنة بغيرهم.
عادة خطيرة
وتشاطرها الرأي أخصائية علم الاجتماع عنود السالمي حيث تقول: حقيقة الأمر أن تهاون بعض الأسر في شراء السيارات الفارهه لأبنائها خاصة من لدن الأمهات الموظفات، بات عادة خطيرة لا تدرك سلبياتها بعض الأسر وأخذت تتفشى في مجتمعاتنا، من باب التقليد، فما إن تسمع هذه بشراء زميلتها سيارة لابنها والذي قد لا يتجاوز سن 13 عاما حتى تهرع مسرعة ودون تفكير لشراء سيارة لابنها تفوق مواصفاتها السيارة الأخرى. وتضيف السالمي أن الكثير من الأمهات الموظفات يعمدن لشراء السيارة للابن هروبا من تذمر أزواجهن في حال أردن قضاء بعض احتياجاتهن، فالزوج منشغل باهتماماته الخارجية، والزوجة تتنقل من مكان لآخر مع ولدها الصغير فتارة تذهب لزيارة صديقة لها، وأخرى للسوق، وثالثة لقضاء الحاجيات المنزلية.
تدني المستوى وطول الانتظار
"الوطن" رصدت طفلا لا يتجاوز عمره الحادية عشرة يقف أمام أحد المشاغل النسائية بانتظار والدته وكأنه سائق خاص كتب عليه الانتظار مقابل راتب شهري يقول تركي والذي بدت علامات النعاس تظهر على وجهه الطفولي عند سؤاله عن السيارة التي يركبها: والدتي موظفة اشترت لي السيارة مقابل تفوقي في المرحلة الابتدائية وحصولي على الدرجات العالية. بعدها بدا على ملامح تركي شيء من الحزن الذي عمد إلى إخفائه بحركات عشوائية فتارة يمسك بالمقود وأخرى تعبث أطرافه بتصفيف شعره، وقال: في الحقيقة كنت فرحا بشراء السيارة ولكن بعد مدة ليست بالطويلة أدركت أنها نقمة فها أنا أقف منتظراً ما يزيد على ثلاث ساعات وقد أرهقني طول الانتظار أمام المشغل، وقد غلبني النعاس وبانتظاري واجبات علي إنهاؤها. وعن مستواه العلمي قال: انخفض مستواي العلمي عن السابق وحصلت على تقدير أقل! أصبحت كالسائق في العائلة ابتداء بطلبات الوالدة ومرورا بطلبات إخوتي، إلى أن ينتهي بي المطاف بالعروج على منزل الجدة لأحضر أواني الغداء التي كانت بانتظاري بعد خروجي من المدرسة مباشرة.
نقمة قرر التخلص منها
خالد طالب في المرحلة الثانوية ومتفوق دراسيا أدرك شر تلك الآلة وقرر التنازل عنها لشقيقه في المرحلة المتوسطة حيث يقول: مشاوير طول اليوم لا تنتهي من قبل أسرتي منذ تم شراء السيارة، بعدها قررت التنازل عن سيارتي لأخي الصغير الذي كان فرحا بهذا التنازل، ولا يعلم في حقيقة الأمر أنها نقمة قررت التخلص منها لأنعم بالراحة والهدوء.
وتقول ماجدة معلمة للمرحلة الثانوية: لا أنكر أنني السبب في شراء السيارة لابني وهو في المرحلة المتوسطة، ولكن في المقابل مفاتيح السيارة في حوزتي ولا أذهب معه إلا للمشاوير المهمة كالذهاب للصالون لتصفيف شعري. وتضيف: لم يكن قرار شراء السيارة وليد الصدفة ومن باب البذخ والتباهي ولكن هناك من أجبرني على اتخاذ هذا القرار وهو زوجي المسؤول عن العائلة، فهو من يرفض خروجي مع السائق، ويتذمر من أي مشوار أطلبه منه، وقد أشارت علي بعض الزميلات في المدرسة بضرورة شراء السيارة لولدي والتخلص من قيود الزوج وتذمره وخلق المشاكل المتكررة عند أي زيارة لإحدى زميلاتي -وبحسب قولها- ولدي لم يعد طفلا.
أما فهدة محفوظ (معلمة) فهي ترفض شراء السيارة لولدها مهما كانت الأسباب معللة ذلك بتهور المراهقين في القيادة وتقول: حوادث المراهقين، أغلبها تكون نتيجة السرعة الزائدة في قيادة السيارات، وهو ما جعلني أتخذ قرارا نهائيا بعدم السماح لولدي بقيادة السيارة دون سن الجامعة.
ومن الطريف ما روته "أم نايف" التي اشترت سيارة لحفيدها (الذي قامت هي بتربيته نظرا لانشغال أمه في الدراسة في المرحلة الثانوية) فقالت: ما إن التحق حفيدي بالمرحلة المتوسطة حتى بادرت بشراء سيارة من نوع "فيد" تقصد "فورد". وأردفت: إنها ربت حفيدها على قوة الشخصية، والحكمة، والنظام في العمل، واحترام الغير، والتحلي بالصبر واحترام المارة، وتتابع: صغيري وحفيدي كأنه رجل في الثلاثين، وتختم حديثها بأن حفيدها "تربية عجوز" يختلف عن تربية الأمهات "المرن" تقصد "المودرن".