منذ بداية الأزمة في ليبيا، كرر الزعيم الليبي معمر القذافي وابنه سيف الإسلام العزم على القتال حتى آخر رجُل، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث صراع دموي طويل قد تستغله فئات سياسية معيَّنة، بما في ذلك التيارات الإسلامية المتطرفة. ورغم أن التدخل العسكري الخارجي يمكن أن يساعد على منع محصلة سيئة للغاية، إلا أن مثل هذا العمل يحمل في طياته المخاطر الخاصة به وتعقيداته المحتملة. حول هذا الموضوع، نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في أواخر فبراير المنصرم تقريراً أعده جيسون هانوفر وجيفري وايت تناول الجوانب الإيجابية والسلبية لأي تدخل محتمل من قبل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الولايات المتحدة في ليبيا.

يقول تقرير معهد واشنطن إن الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء حلف "الناتو" لديهم القدرة العسكرية للتدخل مباشرة وبصورة فاعلة، مما يقلل من قدرة النظام الليبي على استخدام القوة العسكرية ضد شعبه. ويمكن تحقيق ذلك بسرعة نسبياً عن طريق استخدام القوات الجوية والبحرية من الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط وطائرات الناتو من صقلية أو جنوب إيطاليا لإقامة مناطق حظر طيران، وحظر قيادة سيارات، وحظر إبحار في شمال ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هناك تأثيرات نفسية مهمة لعملية التدخل، بحيث تعزز من معنويات المعارضة وتُضعف معنويات القوى الموالية للنظام.

وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية المحتملة للقيام بعمل عسكري، لا سيما إذا تم توسيعه ليتجاوز نطاق مناطق حظر الطيران، إلا أن التدخل ينطوي أيضاً - على مخاطر لا يمكن إغفالها، ويمكن أن يؤدي إلى الالتزام بتكريس الموارد العسكرية لفترات طويلة.

الفرصة

تدل المؤشرات أن النظام الليبي لن يسقط دون معركة، والنتيجة يمكن أن تكون صراعاً مطولاً، وليس مستبعداً أن يتمكن النظام الليبي من إعادة فرض سيطرته على بعض المناطق التي فقدها حتى الآن. وفي جميع الأحوال، هناك مخاطر كبيرة من تعرُّض أناس كثيرين للقتل، حيث أظهر القذافي استعداداه لاستخدام قوة كبيرة بأسلحة عسكرية لقمع المعارضة. وإذا استطاع البقاء في السُلطة واستعاد السيطرة على المناطق التي خسرها مثل بنغازي، فسوف يقوم على الأرجح بأعمال انتقامية فظيعة.

وعلاوة على ذلك، أظهر الجيش الليبي بوادر انشقاق حيث انضم بعض الأفراد إلى المعارضة ورفض آخرون الامتثال لأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، بل وهاجم البعض عناصر موالية للنظام. وإن ضعف النظام وخطورة خسارة المزيد من الأرواح والاحتمال الخطير لعودة النظام [إلى السيطرة على مجريات الأمور تؤسس لحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة.

وقد أفادت التقارير بأن القذافي استخدم طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ووحدات بحرية ومختلف القوات المقاتلة البرية (بما في ذلك عناصر شبه عسكرية ومرتزقة) ضد المتظاهرين. وربما تقوم أيضاً بعض قوات الجيش النظامية بدعم النظام. ولذا فإن المنافسة غير متساوية حتى لو اكتسبت عناصر المعارضة أسلحة، واستطاعت الاعتماد على دعم بعض وحدات الجيش الليبي. وحالياً، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن قوات النظام قد أعادت بالفعل السيطرة، على الأقل في طرابلس.

خيارات للتدخل

يقول تقرير معهد واشنطن إن التدخل العسكري للولايات المتحدة وحلف "الناتو" يمكن أن يأخذ أشكالاً متعددة. ورغم أن النظام الليبي قد استخدم القوة الجوية على نحو ما، إلا أن قواته البرية ستكون على الأرجح هي الأهم في تحديد المحصلة والتكلفة فيما يتعلق بالإصابات والخسائر البشرية. وسيكون لمناطق حظر الطيران تأثير ضعيف على مسار القتال البري.

منطقة حظر الطيران

من غير الواضح المدى الكامل الذي استخدم فيه النظام الليبي طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية أثناء الأزمة. ومع ذلك، يُمثل هذا المخطط العسكري تهديداً كبيراً للمعارضة التي لها قدرة ضعيفة للدفاع عن نفسها ضد هجمات من هذا القبيل. ومن خلال تمشيط الجو فوق شمال ليبيا سوف تقوم قوات الولايات المتحدة والناتو بالقضاء على قدرة القذافي على استخدام القوة الجوية ضد شعبه.

إن تطبيق مناطق حظر الطيران ليس أمراً معقداً، لكنه يستهلك الموارد ويحتاج إلى تخطيط مكثف. وقبل انطلاق الطائرة الأولى، هناك حاجة ملزمة لتحديد مناطق الدورية بصورة واضحة، وإقامة مسارات لطائرات "الإنذار المبكر والسيطرة المحمولة جواً" والأخرى اللازمة للتزود بالوقود، ويجب أن تكون هناك أيضاً قوة إنقاذ لاستعادة الأفراد.

وتشمل مهام القيادة والتحكُّم الكبرى تشغيل وتوفير بوابة إلكترونية لروابط بيانات التحالف، وإزالة أي تعارض بين طائرات التحالف، ومراقبة إطلاق الصواريخ والطائرات الليبية، وتوجيه اعتراضات للطائرات العسكرية الليبية التي تنتهك مناطق حظر الطيران.

وتشمل المهمات جو- جو تنفيذ دوريات جوية قتالية لمواجهة القوات الجوية الليبية التي تشمل طائرات من طراز "ميراج إف-1" و"ميكويان جيروفيتش 21/23" و"سوخوي سو-22" و"سوكو جي-21 إس" ومروحيات "إم آي-24 هند" الهجومية، ومجموعة متنوعة من مروحيات النقل.

وبما أن ليبيا تمتلك قدرات صاروخية أرض- جو، فإن ضربة استباقية لقدرة الدفاع الجوية للعدو ستكون مطلوبة لمواجهة بطاريات صواريخ "إس أي-2" و "إس أي -3" و "إس أي-6".

كما سيكون مطلوباً أيضاً وجود قوة نشطة من طائرات التزود بالوقود لضمان وجود القدرة لدى جميع الطائرات على تحمل التمشيط الفعال. كما يجب أن تكون قوات استعادة الأفراد في حالة تأهب لتنفيذ مهمات الاستعادة لو حدث أن أُسقِطت طائرة من طائرات التحالف. وسوف تحتاج قوات الإنقاذ أن تكون عائمة إما في البحر المتوسط أو في مالطا لتقليل زمن الاستجابة. ويجب أن يولى الاهتمام لنشر طائرة التزود بالوقود من طراز"إتش سي-130"، حيث إنه ليست هناك قوة أساسية مساوية لـ "القوات الجوية للولايات المتحدة في أوروبا"، وثمة عدد محدود فقط يدعم "فرقة العمل المشتركة في القرن الأفريقي".

منطقة حظر قيادة العربات

قد يكون من الضروري منع النظام الليبي من تعبئة ونشر القوات البرية ضد المعارضة. وإذا كان يأمل هذا النظام في استعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، فسوف يحتاج إلى تحريك قوات كبيرة. وبالتالي، يمكن أن تحد مناطق حظر قيادة العربات من قدرته على القيام بذلك.

ولكن هناك قضايا خطيرة تتعلق بتحديد القوى الموالية للنظام في الوضع الفوضوي الحالي، وتجنب الهجوم على عناصر المعارضة أو المدنيين. ويبدو أن الكثير من القوى الموالية للنظام تتألف من عناصر الميليشيات أو المرتزقة مما يزيد من صعوبة تمييزها عن المدنيين أو جماعات المعارضة. ومن أجل تطبيق مناطق حظر قيادة العربات، يجب إقامة معايير وإجراءات لتحديد الهدف والتأكد منه بشكل مفصل ومجمع عليه، فضلاً عن قواعد تفصيلية للاشتباك لأية طائرة يُحتمل أن تنخرط في عمليات تجاه أهداف أرضية.

منطقة حظر الإبحار

يقال إن نظام القذافي استخدم وحدات بحرية لقصف قوات المعارضة. إن إقامة منطقة حظر إبحار لمنع هذا النشاط يمكن أن تتحقق بطائرة و/أو وحدات بحرية - برية في المنطقة بما في ذلك قوات الأسطول السادس الأميركي الموجودة في نابولي و"قيادة القوات المشتركة لحلف الناتو في نابولي". ومن شأن ذلك أن يوسِّع نطاق المهمة ويمكن أن يخلق متطلباً لقوات إضافية، لكن من شأنه أيضاً أن يحد بصورة متزايدة من قدرة النظام على استخدام القوة العسكرية.

تحديات التدخل المحدود

إن السرعة في إقامة منطقة حظر واحدة أو أكثر هو جوهر المسألة في هذه الحالة، حيث يجب تعبئة القوات الجوية المطلوبة وتنظيمها وتحضيرها لأية عملية. وسوف تتطلب عملية الإنفاذ وجود طائرات قتال ودعم كبيرة. ويمكن أن تتطلب أيضاً قتالاً فعلياً، يشمل جو- جو، وجو- أرض أو جو- بحر، وقمع الدفاعات الجوية.

وسيشكل تجنب "تمدد المهمة" تحدياً آخر. فحالما تأخذ العملية مجراها، من المرجح أن تكون هناك مطالب وفرص لزيادة مستوى ونطاق العمليات. ومن المحتمل أن يؤدي استمرار هجوم النظام على المعارضة، إلى الضغط من أجل المزيد من التدخل المباشر، وربما يشمل إنزال قوات برية في نهاية المطاف.

المخاطر والمنافع

التدخل العسكري يحمل معه بالضرورة احتمال وقوع إصابات وضحايا. وعلاوة على ذلك، فإن عمليات منطقة حظر قيادة العربات سوف تزيد من خطورة الأضرار المصاحبة لذلك، لأنه يمكن أن تكون هناك بعض الصعوبة في تمييز العدو من الصديق، وتجنُّب الإصابات المدنية وسط الفوضى الحالية. ويمكن أيضاً أن يتصاعد القتال إلى ما هو أبعد من الأهداف الأولية، إما نتيجة تمدد المهمة أو محاولات النظام الهجوم على القوات المتدخلة.

وبشكل أوسع، يمكن توجيه تهم "الاستعمار" ضد الولايات المتحدة وأية دول أوروبية مشاركة، وقد يتكرر صداها في بعض الأماكن المعادية للغرب في المنطقة وخارجها. كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يجدون أنفسهم في موقف المساعد على إخراج نتيجة سيئة إذا تدهور الوضع إلى حرب أهلية أو عنف فوضوي أو إذا وصلت عناصر الإسلاميين المتشددين إلى السُلطة.

ورغم المخاطر فإن التدخل ضد النظام يمكن أن يجلب أيضاً العديد من المنافع المهمة. أولاً، احتمال إنقاذ أعداد كبيرة من الأرواح. ثانياً، يمكن أن يؤدي التدخل إلى نهاية أسرع للنظام مع خسائر وتأخر اقتصادي وسياسي واجتماعي أقل. وبأي طريقة تنتهي فيها الأزمة فإنها لن تكون نهاية طيبة، ولكن يبدو بأنه سيكون من الأفضل بكثير لو تم إنهاؤها عاجلاً وليس آجلاً.