-1-

"الطاسة" الضائعة، قولٌ عربيٌ، وقولٌ شاميٌ سائرٌ، على وجه الخصوص.

وهو قولٌ سائرٌ يُضرب عندما تحلُّ الفوضى في ركن من الأركان.

وهو قولٌ سائرٌ مأخوذٌ عن حال الحمامات العامة أيام زمان، عندما تضيع "طاسة" ماء الاستحمام فتنتشر الفوضى في الحمام، ولا يُعرف النابل من الحابل.

والوجه الآخر لهذا القول السائر، وجه ضياع المسؤولية وعدم وجود مسؤول واحد يُحاسب ويُعاقب ويُسأل عمّا فعل، وعمّا فعله الآخرون.

ولعل الوضع في إيران، هو وضع الحمام العمومي، الذي ضاعت فيه "الطاسة"، فلا نعرف من هو المسؤول، إلا من خلال وسائل الإعلام الإيرانية الخاصة، التي ترفع أحمدي نجاد يوماً، وتحط به أرضاً يوماً آخر، لكي ترفع خامنئي في اليوم التالي، وهكذا دواليك.

-2-

من مظاهر ضياع "الطاسة" في طهران - مثلاً- أن يجرؤ مدعي عام إيران غلام حسين آجئي، على وصف الرئيس أحمدي نجاد بالكذاب، في تعليق له على تصريحات أدلى بها نجاد أمام عدد من أنصاره.

ومن مظاهر ضياع "الطاسة" في طهران – مثلاً - أن ينقل موقع "عماريون" التابع لأنصار المرشد الأعلى علي خامنئي عن المتحدث باسم القضاء، ومدعي عام إيران قوله: إن السلطات اعتقلت "عنايت الله رباحي"، ابن أخت أسفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب الرئيس نجاد، ووالد زوجة ابنه، لتورطهما في قضية الفساد المالي الشهيرة المعروفة، بأكبر عملية نصب مالي في إيران.

ونقل هذا الموقع أيضاً وجود وثائق عن دور سياسي خاص لعنايت الله رياحي، وقد وُصف بأنه شخصية مريبة، وكان مكلفاً بشكل خاص بفتح قناة اتصال بين إيران والولايات المتحدة.

-3-

ومن مظاهر ضياع "الطاسة" في طهران – مثلاً- أن أنصار المرشد الأعلى علي خامنئي قد اتهموا الرئيس أحمدي نجاد، وأعوانه بأنهم يتآمرون مع الصهيونية ضد البلاد.

وقال موقع "عماريون" التابع للمرشد علي خامنئي، إن تيار الرئيس أحمدي نجاد يعمل بالتوافق مع الصهيونية العالمية.

وأضاف الموقع، أن أسباباً كثيرة تحول دون توضيح تفاصيل إضافية عن هذا الخبر المثير.

وكان صهر الرئيس الإيراني، ومستشاره الأول، ومدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي، قد قال إن طهران صديقة للشعب "الإسرائيلي".

وازداد الخلاف بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي بعد أن رفض خامنئي استقالة تقدم بها وزير الاستخبارات حيدر مصلحي بضغط من الرئيس.

وكان نجاد قد حذر خصومه في الداخل من أتباع خامنئي، قائلاً: "لقد اختارت الحكومة الصمت في مقابل كل الهجمات التي تتعرض لها، ومتى ما شعرنا أن أهداف الثورة في خطر، حينها نتصدى لتنفيذ الواجب، وتتغير وظيفتنا إلى حفظ الثورة."

-4-

وضاعت الطاسة في إيران – مثلاً- منذ ثورة الخميني عام 1979، عندما أصبحت هذه الثورة تمثل أكبر حمام دم في تاريخ المسلمين. فقد أمر الخميني في حياته بعد عام 1979 بإعدام 150 ألف شخص بدون محاكمة، "لأنهم مذنبون، ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم." كما قال. وكان ذلك بداية موجات الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وشجع السلفيين المتشددين والمتطرفين على ارتكاب الجرائم الإرهابية المختلفة، وبدعم من الدولة الإيرانية.

ويرى المفكر التونسي العفيف الأخضر، أن كل إرهاب لا ترعاه دولة ما، رعاية مالية ولوجوستية واستخباراتية، لا يؤدي الغرض الذي قام من أجله. حيث غدا الإرهاب مؤسسة حكومية أثناء الحرب الباردة، ولا طريق له لتحقيق أهدافه إلا عبر دولة ترعاه. ولنا من الإرهاب اليساري في ألمانيا وإيطاليا الذي كان مدعوماً من المخابرات السوفيتية السابقة، والإرهاب الفرنسي في المغرب العربي، والإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، والإرهاب الإيراني في إيران، وأوروبا، والعراق، خير دليل على ذلك.

-5-

والإعلام الإيراني الرسمي، يُحوّل كل هذه المخازي إلى مغازي باسم الديمقراطية. في حين أن الطابع الثيوقراطي والتمييزي للدولة الإيرانية، أصبح من العوائق الأساسية للديمقراطية. فإيران يُعرّفها دستورها بأنها جمهورية إسلامية، شيعية، جعفرية. وهي بهذا تُقصي من مواطنتها المسلمين السُنَّة، والشيعة غير الجعفريين. كما تفرض تمييزاً دينياً مرفوضاً في عصر حقوق الإنسان، وتحرم جزءاً كبيراً ( أكثر من 50% من المسلمين السُنَّة والنساء) من المواطنين من حقوقهم في المواطنة الكاملة، بحرمانهم من الترشح لرئاسة الدولة، أو تقلّد وزارات السيادة كرئاسة الحكومة، ووزارة الخارجية، والداخلية، والعدل، والتعليم، والدفاع، وقيادة الجيش. وتخصّ من هم من طائفة الدولة فقط بهذه المناصب!

-6-

وبسبب هذا الضياع المفجع للطاسة، دعت المحامية والناشطة السياسية الإيرانية، والحائزة على جائزة نوبل، شيرين عبادي، الشعب الإيراني إلى العصيان المدني ضد السلطة الإيرانية القائمة، باعتبار أن العصيان المدني هو الطريقة الوحيدة للتخلص من النظام القائم. ورفضت شيرين عبادي تبني توصيف حملة رفسنجاني الانتخابية في 2005 التي تروّج لمقولة "إذا لم تنتخبوني فالطالبان قادمون". وقالت الناشطة الإيرانية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان:

"أقل ما يمكننا القيام به هو العصيان المدني. فالأصوات التي سيتم إسقاطها في صناديق الاقتراع ليست صالحة لأنها ليست حرة".

وأضافت:

"الحرية طريق لا عودة عنه. لا يمكن العودة إلى الوراء. مؤكدة أن "الثقافة الإيرانية لن تسمح بأن يكون هناك نظام كنظام طالبان"، مشيرة إلى أن أكثر من 60 في المئة من الطلاب في الجامعات الإيرانية من الشابات.

وشددت عبادي "أن الشعب سيحمي الحرية التي حصل عليها، ولن يسمح بعودة الأمور إلى الوراء."