ليس لها من أمل تتعلق به، فتفاصيل قصتها تجيب من يستمع إليها عن أسباب محاولتها الانتحار مرتين، حين أرادت الهرب من واقع لم تجد له علاجا سوى الموت.

اسمها وفاء المولد وعمرها 30 عاما. تعيش في حي غليل بجدة وتسكن منزلا متهالكا كان موصدا بالسلاسل الحديدية، ففتح على عجل مع وصول "الوطن" إليها. والحكاية هنا أن وكيل تحصيل إيجار بيتها أغلقه لتأخرها في تسديد مستحقات عام كامل، 8 آلاف ريال، وحين شم رائحة قدوم الصحافة فتحه على عجل.

ولحظة فتح الباب، سالت من خلفه قصص أخرى لوفاء غليل، لم يشاركها فيها الألم ويسمعها منها إلا قليل من جيرانها. هي الابنة لأب وأم مشلولين، وأمامهما لم تعد تعرف كيف تجلب حاجتهما الطبية والغذائية الخاصة. لم يقف الأمر عند ذلك، بل فضل "السكري" أن يزور جسدها الغض، فهو -بخبث- لا ينتقي إلا الأجساد المثقلة بالهمـوم. وتخدم وفاء والديـها وحدها منذ طفولتها، ولأجلهما حرمت نفسها لذيذ الرقاد، وصارت أحلامها الوردية بالزواج والإنجاب سوداء. "فمن سيرعى والدي إذا تزوجت يوما" هكذا قالت.

تضيف وفاء "لم يعد بيدي حيلة، حاصرتنا الديون، وطرقت كل الأبواب. تمر بنا أيام لا نقتات فيها إلا الخبز الجاف، حتى وصل بي الحال إلى عدم مقدرتي على شراء علاج مرضي".

وهذا الحال دفعها للانتحار مرتين، لجلب الاهتمام إليـها أو لمغادرة حياة لم تعد تطيقها. وفي كلتا المحاولتين نجـح جيرانها في إنقاذها.. ولكنهم عجـزوا عن تخليصـها مما لا زالت تهـرب منه إلى اللحظة.. الدين وذل السؤال وعجز الوالديـن وبؤسهما.




كما يتندر البعض بأن عبث الواقع والمفارقات الغريبة والمضحكة التي نراها في حياتنا اليومية تعجز نجوم الكوميديا عن ملاحقتها، ففي واقع الحياة اليومية مآس وفجائع تعجز أعتى كتب الدراما المأساوية السوداء عن تصويرها .. وتعتبر قصة أو مأساة "فتاة غليل " وفاء المولد، التي حاولت الانتحار مرتين وهي في الثلاثين من عمرها أوضح مثال على ذلك. وكانت سيول جدة التي ألقت الضوء على الأحياء العشوائية هي الخيط الأول الذي قاد "الوطن" للكشف عن تلك المأساة الإنسانية، فبينما كانت "الوطن" تتفقد حي غليل في أعقاب السيول أصرت إحدى المواطنات وتدعى "هبة" على اصطحابنا بين الشوارع الترابية الضيقة للحي لأحد المنازل الشعبية، الذي كبّل بابه "بالسلاسل الحديدية" من قبل وكيل تحصيل إيجارات المبنى، لعدم تمكن أصحابه من "تسديد المستحقات المتأخرة لعام كامل والبالغة 8 آلاف ريال". وكما تقول وفاء فإن وكيل التحصيل قام بفتح الباب بعد علمه بوجود الصحافة في الحي. وخلف ذلك الباب الموصد جلست وفاء المولد التي أقعدها التعب والإنهاك لتسرد معاناتها مع أبوين مشلولين لا يستوعبان "ألم ما يدور حولهما"، وعجزها عن توفير "احتياجاتهما الطبية والغذائية الخاصة. فقد انقلبت حياة وفاء ووالديها رأساً على عقب قبل خمس سنوات تقريباً، بعد أن انضم والدها إلى والدتها المشلولة منذ 17 عاماً بإصابته بالشلل هو الآخر. وقالت الفتاة المصابة بداء السكري: لم يعد بيدي حيلة، طرقت كل الأبواب، والديون تحاصرنا من كل جانب، تمر بنا أيام لا نقتات فيها إلا الخبز الجاف، حتى وصل بي الحال لعدم مقدرتي على شراء علاج مرضي.

ولعل أبرز ما يثير في قصة وفاء هو محاولتها الانتحار مرتين، إلا أن جيرانها أنقذوها، ودفعها لذلك عجزها عن توفير علاج والديها المكلف، كما لم تستطع توفير علاجها هي شخصياً، فضلاً عن متابعة علاج والدتها في المستشفيات الحكومية. وتابعت "عجزنا عن إيصال صوتنا للمسؤولين". أما سبب حرمان والدتها من العلاج وحرمانها هي ذاتها من الحصول على عمل شريف فيعود إلى أكثر من 25 عاماً، حينما أصدرت الجهات القضائية أمراً بسحب جنسية والدها على خلفية مخالفة نظامية، لجلبه عمالة وافدة، وهروبها. ووقف سحب جنسية والدها عائقاً أمام استكمال علاج أمها التي أصيبت بمرض وأورام ليمفاوية خبيثة. وقالت إن والدتها خضعت قبل 16 عاماً، لاستئصال ثديها، وتلقت علاجا كيميائيا وتدهورت حالتها خلال عام، وبعده تفشى الورم السرطاني في النخاع الشوكي، لينتهي الأمر بها لتصاب بغيبوبة كاملة أدت لفقدانها السمع والبصر والكلام والحركة, مع تعرضها لثلاث جلطات في الرئة والقلب" دون أن نشعر بها". وتقول وفاء إنها تخدم والدتها منذ طفولتها، وتؤكد أنها لا ترى النوم لأيام طويلة، وسقطت أحلامها بالزواج والإنجاب. وتضيف: "قدمت استعطافات كثيرة كي تستعيد جنسيتها المسحوبة، لكن دون جدوى".