مع تقديري للمطرب السعودي عبدالمجيد عبدالله الذي غنى أغنية "هلابش"، أعترف أني استغربت عندما سمعت الأغنية لأول مرة، ليس لطبيعة اللفظة التي يستخدمها أهالي جنوب المملكة في الترحيب، مثلها مثل تعبيرات أخرى جميلة موحية مثل "مرحبا ألف"، و"أبشر" ، حيث تعبر الأولى بأسلوب حميمي عن الترحاب العربي الجميل، وتقال الثانية لمن يطلب طلبا كتعبير عن البشرى بالاستجابة.
الاستغراب كان لكوني أحد المعنيين بالكلمة الشاعرة، لأنها المرة الأولى التي يسير فيها شاعر غنائي حديث عكس الاتجاه، ويجلب تعبيرا لهجويا ليكون عنوانا لأغنية عصرية واسعة الانتشار.
الأغنية التي كتبها الشاعر تركي تقول "هلابش .. حيي من عكس اتجاه الريح وجابش" تعتمد كلماتها وفق اللهجة الجنوبية في مخاطبة الأنثى على تحويل "كاف المخاطبة" إلى "شين"، فبدلا من أن يقول الشخص "هلا بك" .. يقول "هلا بش"، وهي في الأساس لهجة عربية قديمة، تسمى "الشنشنة".
اللهجات الشعبية تذخر بالعديد من التعبيرات والصيغ الشاعرة الموحية، كنز من التراكيب تختزن الفصاحة والبلاغة والحداثة، والفلسفة، والحكمة، والصورة الشعرية الفارقة، ورغم أن بعضها قد يحتاج إلى تفسير . إلا أنها ظلت معينا لا ينضب للأجيال. يستعيدونها كلما زاد الضجيج والتلوث السمعي الذي يملأ الأجواء.
"هلابش" ردَّة لهجوية، ولكنها جميلة ومحببة تعيدنا إلى البراءة والفطرة، ومضارب البادية والكرم العربي. حيث كان التواصل الإنساني وجها لوجه، وليس عن طريق رسائل الجوال الإلكترونية التي نستخدمها اليوم.
الأغنية العربية الآن تفتقر إلى مقومات التأثير، تخلو من الإبداع والصورة النابضة المؤثرة..، حلقات من الدخان تنطلق وتتبدد. مجموعة من "الطوب" المتراصة جنبا إلى جنب. خالية من النبض والحياة. واللهجة ـ بمخزونها الثقافي ـ يمكن أن تعيد للأغنية وهجها وروحها من جديد لتعود كطائر العنقاء لتحلق من جديد.
الآن بعد أن وضعت حرب اللهجات أوزارها، وأصبحنا نفهم كل اللهجات، نشتاق إلى شذرات من اللهجات العربية الأصيلة لتنفخ النار في رماد الأغاني الباردة.