وصف رئيس اللجنة الوطنية للمحامين الدكتور ماجد قاروب تعرض الصحف لتفاصيل القضايا المنظورة أمام القضاء ونشر صور المذكرات والمستندات بـ"الفساد الإعلامي" بسبب تدخلها في الشأن القضائي والتعرض لحريات الآخرين.

جاء ذلك في كلمة له على هامش اليوم الثاني من ملتقى القضاء والإعلام في الرياض أمس.

وشكك قاروب فيما يكتبه كتاب الصحف حول قضايا نشرتها صحفهم لأنها مبنية على معلومات لم تتأكد الصحف من صحتها، ناهيك عن أنها مبنية على طرف واحد وهو المدعي في حين غابت وجهة نظر المدعى عليهم في هذه القضايا. وأضاف أن ذلك يساعد على تأجيج المجتمع والقضاء والقضاة ضد المدعى عليهم في هذه القضايا. وفيما حذر قاروب المحامين من إفشاء أسرار وكلائهم لأن ذلك مخالف للنظام، انتقد تصرفات بعض المحامين وتمثيلهم للمهنة من خلال اللوحات الإعلانية لمكاتبهم على واجهات مقار عملهم كما انتقد تعاملهم غير اللائق مع القضاة.

من جانبه، دعم وكيل وزارة العدل للشؤون القضائية الدكتور عبدالمحسن آل مسعد ما قاله قاروب قائلا إن الأنظمة في المملكة منحت وسائل الإعلام الحرية الإعلامية المطلقة، ثم قيدتها بعدم التجاوز على حقوق الآخرين بهدف المحافظة على حقوق المجتمع.

وتعرض عضو المحكمة العليا الشيخ عبدالعزيز الحميد لأهداف نشر الأحكام، داعيا إلى ضرورة مراعاة جوانب الإيضاح عند النشر الإعلامي، مشيرا إلى دور علنية الجلسات بنشر الثقافة القضائية في المجتمع.

من جانبه، نبه الخبير الإعلامي الدكتور فهد العرابي الحارثي إلى ضرورة عدم استغلال القضاء لما وصفه بثقافة المقدس ليشهرها دائما أمام الإعلاميين. مؤكدا التقاء القضاء والإعلام حول مسألة "العدالة"؛ مؤكدا أن التكامل بين الجانبين ضرورة لإقامة هذه العدالة.

وأمام دعوة نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور زيد الحسين لعدم نقل وسائل الإعلام للمعلومات إلا من مصادرها الموثوقة؛ لأنه يرى أن الإعلام وسيلة لترسيخ الثقافة الحقوقية؛ تجاهل سؤال "الوطن" الذي طرحته عن كيفية ترسيخ وسائل الإعلام للثقافة الحقوقية ونقل المعلومات من مصادرها وجهة حقوقية هامة كهيئة حقوق الإنسان التي لا تتجاوب مع الإعلاميين بتقديم المعلومات التي يطلبونها؛ في ظل اضطرار بعض الإعلاميين إلى الالتفاف والحصول على معلومات تحتمل الصحة وتحتمل الخطأ، نتيجة عدم مساعدتهم في الحصول على المعلومة الصحيحة.

من جهته، انتقد القاضي في وزارة العدل رئيس تحرير مجلة العدل الدكتور علي بن راشد الدبيان عدم تقيد الرسالة الإعلامية كثيرا في دورها الرقابي بأحكام وحدود السياسة الإعلامية للمملكة. وقال "ذلك أدى إلى أخطاء حادة في بعض الأحيان في أداء ومنتجات رسالتنا الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة، وورث ضعفاً في المنتجات الإعلامية من جوانب متعددة أهمها: المصداقية والعدالة التي هي أساس وقاعدة العمل المهني في الإعلام، وهي الأصل في منح الثقة للرسالة الإعلامية من الجمهور". وقال الدبيان "لا يجوز أبداً إخضاع القضاء والمحاكمات لدور رقابي في الإعلام ورسالته؛ لما يقترن بذلك من إخلال بمجريات العدالة، وتأثير مباشر على سلامة القضاء وتحقيقه للإنصاف بتجرد، وقد جاءت السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية مؤكدة على أن الإعلام السعودي يهدف إلى احترام النظام العام للدولة، وينمي تنفيذه، وفي المادة الرابعة - من ذات السياسة -: تعمل وسائل الإعلام على صيانة المصالح العليا للمواطنين وعموم الأمة، وتحترم حقوق الأفراد والجماعات، كما في المادة الرابعة عشرة ، وتقف رسالة الإعلام مع الحق والعدل كما في المادة السابعة والعشرين. في المقابل يجب أن نعطي الرسالة الإعلامية مساحة للتعبير عن وجهات النظر الرقابية في الجوانب التي لا تمس مجريات العدالة ومسار القضاء في سلطته على الأحكام والقضايا؛ شريطة أن يكون لتلك الرسالة الإعلامية في دورها الرقابي هدف صحيح، يطرح بتجرد وموضوعية لبلوغ الأكمل والأفضل ما دام الطرح لا يمس جوهر المحاكمات والقضايا، ولا يؤثر على مسار العدالة وينجرف بها، وهو من التعاون المثمر والبناء في تصحيح المشكلات ومعالجة الأخطاء ، ولا يغيب عنا أن الرسالة الإعلامية في هذا الدور يجب أن تنبع من عقول ناضجة، وبأساليب راقية حضارية تليق بمقام القضاء ومكانته؛ لنحفظ قيمة قضائنا ، ونساعد على أدائه لمهمته السامية في تحقيق العدالة والإنصاف، وحفظه للمصالح العامة والخاصة في مختلف الواجبات والحقوق.

فيما أشار وكيل وزارة العدل لشؤون التوثيق طارق بن عبدالله العمر إلى أبرز المبادئ والاهتمامات الواردة في السياسة الإعلامية من وجوب التزام وسائل الإعلام بالشريعة الإسلامية في كل ما يصدر عنها، والمحافظة على عقيدة سلف الأمة، والبعد عن كل ما يناقضها، والنهوض بالمستوى الفكري والحضاري والوجداني للمواطنين، والمحافظة على المصالح العليا للمملكة، والتنبيه إلى ضرورة احترام الأنظمة المرعية وتنفيذها عن قناعة، والمحافظةُ على الحقوق العامة والخاصة، ونشر الثقافة والمعرفة، والموضوعية في عرض الحقائق وفي المعالجة الموضوعية في عرض الحقائق وفي المعالجة.


إعلام قضائي متخصّص

إلى ذلك، أوصى القضاة والإعلاميون المشاركون في أول ملتقى جمع منسوبي القضاء والإعلام بوجوب الأخذ بالإعلام القضائي المتخصص وتنظيم ورشة عمل متخصصة لوضع آليات تنفيذ هذا المبدأ، وإحداث إدارات قانونية متخصصة داخل المؤسسات الإعلامية، مع ضرورة عقد ورش عمل لرفع مستوى الإعلاميين في القضاء، وعقد دورات وملتقيات للمتحدثين الرسميين، وضرورة قيام المحامين ومنسوبي الجهات الحقوقية بتعزيز الثقافة الحقوقية، مؤكدين على عدم نشر أي شيء قبل صدور الحكم، إلى جانب رفع توصيات وزير العدل ووزير الثقافة والإعلام تأكيدا لمبدأ الشراكة بين القطاعين.


تلميع المسؤول

جلسة "المتحدث الرسمي" كانت من أكثر الجلسات إثارة للجدل، وفيها اتهم قياديان صحفيان المتحدثين الرسميين في أكثر الأجهزة الحكومية بمحاولة تلميع وتبييض وجه المسؤول الأول في الجهاز. ووصف مدير تحرير الحياة في السعودية ومنطقة الخليج جميل الذيابي تبييض المسؤولين للمسؤولين بـ"زيادة في المكياج".

واتهم الذيابي أكثر من وزارة بالتكبر على الصحفي السعودي، مستشهدا بتكبر وزارتي الخارجية والمالية على الإعلاميين في الوقت الذي تنتقدهم فيه ولا يجد أحد أي جواب، وبالمقابل إن مثل هذه الوزارات تستقبل الصحفي الأجنبي حتى لو كان من جهة أقل مهنية من صحفنا المحلية.

من جهته وافق رئيس تحرير "الوطن" جاسر الجاسر ما ذهب إليه الذيابي قائلا إن الأمر ينطبق على وزارات أخرى مثل التجارة والزراعة والتعليم العالي والبلدية والقروية إلى جانب شركات الاتصالات.

ووصف الجاسر المتحدثين الرسميين "بالصامتين الرسميين" معتبرا المتحدث الرسمي دائما ما يبرر وتكون له صلة بالرجل الأول في الجهة التي يعمل بها وبعض المتحدثين يشغلون وظائف أكثر من تأديتهم لرسالة.

وأكد الجاسر أن البعض من المتحدثين تحولوا إلى فئة بيروقراطية يعطون المواد الصحفية لبعض المحررين ويمنعونها من البعض الآخر متناسين مهمتهم الأساسية والرسمية.

وكان الذيابي بدأ الجلسة الثالثة بهجوم على الإطالة في أوراق العمل وقال: لا أريد الاسترسال في الحديث مثل بعض الزعماء العرب، مشيدا بتجربة وزارة الداخلية بالمتحدث الرسمي القادر والمالك للمعلومة.

وتساءل الذيابي "ماذا يريد الصحفي من المتحدث غير الإجابة على الأسئلة الصحفية الخمسة المعروفة؟"، متهما بعض المتحدثين بحجب المعلومة، ومع البحث توجد نفس المعلومة في الموقع الرسمي للجهة الحكومية. وطالب المتحدثين الرسميين بالحديث وعقد المؤتمرات الصحفية والتعامل مع الإعلام باعتباره جهة تكامل.

واعتبر الذيابي عمل بعض المتحدثين غير مهني بتعامله مع الصحفيين من خلال "رسائل نصية".

فيما قال الجاسر إن التهديد في بعض الأحيان يتخذه المتحدثون لصد الصحفيين عن نشر الأخبار، معتبرا صمت المتحدثين الرسميين سيُلجئ الوسائل الإعلامية إلى تحريك المصادر الموجودة في الجهات التي ليس لها حق التصريح وقال "لدينا مصادر بديلة سنستخدمهم في ظل الصمت المطبق".

وطالب الجاسر المتحدثين بالتدرب في الجهات الإعلامية ليتعلموا الفنون الإعلامية وأن تختار الجهات متحدثين رسميين شباباً.

المتحدث الرسمي لديوان المظالم أحمد الصقيه أعلن أن جلسات المحاكمة ستكون علنية متهما بعض الإعلاميين بأنهم لا يفرقون بين الحكم النهائي والابتدائي. وقال إن الشكوى من عدم الدقة في النشر من قبل الإعلاميين بقصد الإثارة، مطالبا بعقد ورش عمل ليعرف القضاء ماذا يطلب الإعلام لنصل في نهاية المطاف إلى إعلام قضائي متخصص.

من جهته، اعتبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي أن بعض المسلسلات المحلية تصور رجل الأمن بعكس الحقيقة وبمحاكاة لبعض الدول القريبة.

وأكد أن المتحدث الرسمي يجب أن يبادر في إيصال المعلومة ويعقد المؤتمرات لنصل إلى توضيح الحقيقة.

وأكد التركي أن غياب المتحدث أو الصوت الرسمي يخلق مناخاً إيجابياً للشائعات مطالبا بوضع ملتقيات كثيرة لإيضاح الحقائق ومعرفة مطالب الإعلام.

وأشار التركي إلى أن الملتقيات والمؤتمرات يجب أن ترعاها وزارة الثقافة والإعلام ليتحقق الأمل المنشود والتكامل الذي تطلبه الجهات. وانتقد في الوقت ذاته سياسة الإعلام حول تناول الموضوعات الخاصة بنظام ساهر، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون لدى الإعلام رسالة وطنية في تناول هذه الموضوعات.





توصيات اليوم الثاني لملتقى الإعلام والقضاء

• وجوب الأخذ بمبدأ الإعلام القضائي المتخصص في جميع المؤسسات القضائية والإعلامية تنفيذاً لما هو منصوص عليه في النظام الأساسي للحكم والأنظمة العدلية والأنظمة الإعلامية وتحديداً نظام المطبوعات والنشر ونظام المؤسسات الصحفية والسياسية والإعلامية الصادرة من مجلس الوزراء ولائحة النشر الالكتروني من خلال تنظيم ورشة عمل متخصصة لمسؤولي المؤسسة العدلية والإعلامية والوسائل الإعلامية المختلفة لوضع الآليات التنفيذية المناسبة لتنفيذ هذا المبدأ تحقيقاً لمسؤولية وزارة العدل في تقرير ونشر الثقافة الحقوقية وفقاً لما نص عليه مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء.

• إحداث إدارات قانونية متخصصة في المؤسسات الإعلامية لتعزيز دور الثقافة الحقوقية داخل المؤسسات الإعلامية.

• ضرورة عقد ورش عمل ودورات تدريبية مكثفة لكافة الإعلاميين لرفع مستوى الأداء الإعلامي في المجال العدلي والقضائي.

• ضرورة عقد لقاءات دورية للمتحدثين الرسميين لمختلف الأجهزة القضائية والأمنية والحقوقية بمشاركة المؤسسات الأكاديمية لتطوير مبادئ وآليات التعامل مع الإعلام.

• ضرورة قيام المحامين وأساتذة الشريعة والقانون ومنسوبي مختلف الأجهزة الحقوقية بواجباتهم المهنية والاجتماعية لتعزيز الثقافة الحقوقية من خلال الأنظمة العدلية.

• التأكيد على حظر التناول الإعلامي لما تتولاه سلطات التحقيق أو المحكمة بطريقة تستهدف تعبئة الرأي العام ضد من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة قبل صدور حكم القضاء.

• رفع هذه التوصيات إلى وزير العدل ووزير الثقافة والإعلام مع عرض يتضمن كافة التوصيات التي عرضت في الملتقى لاعتمادها تأكيداً لمبدأ الشراكة بين القطاعين.