ما زالت ظاهرة المُعبرين وتفسير الأحلام تلقى رواجا واسعا في مجتمعاتنا العربية من المحيط إلى الخليج، بل أكثر من ذلك، فقد أصبحت من الظواهر المتربعة على عرش الصدارة بامتياز، والتي تتمظهر بأشكال بانورامية متنوعة على كافة الأصعدة، وقد ساعد في تفشي هذه الظاهرة الحرفية تنافس الكثير من القنوات الفضائية في جذب واستقطاب أكبر شريحة من الجمهور لمشاهدة هذا النوع من البرامج، ولا أخفيكم القول بأن متابعتي لمثل هذه البرامج تأتي في إطار التسلية والترويح لا أكثر، فهي تكاد تكون مثل الطرف المُضحكة، ولا أنسى تلك الحكاية التي اتصل فيها أحد المشاهدين بأحد البرامج الفضائية يستفسر عن حلم رآه، إذ رأى أنه يأكل "محشي.." ليرد عليه المُعبر سريعاً: (المحشي في الحلم سيئ والعياذ بالله، لكن أريد أن أسألك سؤالا مهماً: ما هو نوع المحشي الذي كُنت تأكله في المنام؟ إذا كان محشي "كرنب" فهو سيئ، لأن الكلمة تحتوي على حرفين من كلمة "كره" أما إذا كان محشي "كوسه" فهو أمر حسن، لأن "كوسه" فيها ثلاث أحرف من كلمة "كويس" بالطبع المتصل شكر المُعبر بكل امتنان وقال له: "لقد تذكرت كان محشي كوسه الله يبشرك بالخير". فما كان من المُعبر إلا أن ابتسم ابتسامة فيها ملامح الثقة العالية بالنفس، وكأني أقرأ على مُحياه المثل الحجازي "طبطب وليّس يطلع كويس".
حكايات وتفسيرات غريبة تنتمي لمنطقة اللاوعي، فيها من التسطيح والتشطيح ما يندى له الجبين، بل الأدهى والأمر من ذلك عندما يترتب على تلك الحكايات والتفسيرات قرارات مصيرية في حياة الإنسان، فقبل عدة أيام نشرت جريدة الحياة خبرا طريفا، في اعتقادي أنه من طرائف مفسري الأحلام لعام 2011، فسر فيه المُعبر حلما أو رؤيا ـ سموها ما شئتم ـ لفتاة ثلاثينية رأت في منامها أنها عقدت قرانها على اللاعب "حسين عبدالغني" حيث أخبرها المُعبر أنها لن تتزوج ما لم يعتزل لاعب نادي النصر "حسين عبدالغني"! إنني أتساءل: هل سيقرر اللاعب "حسين عبدالغني" اعتزاله بعد حكاية المُعبر؟ ماذا لو لم يعتزل؟ ما مصير الفتاة الثلاثينية؟
السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: من المستفيد من تفشي هذه الظاهرة؟ ولماذا يلجأ الأكثرية إلى تفسير أحلامهم، بدلا من تفسير واقعهم والتعامل معه بالمنطق والعقل؟ وهل تفسير الأحلام من اختصاص علماء النفس والطب النفسي أم الدعاة؟ وهل كل معالج نفسي أو داعية قادر على تفسير الأحلام؟ وهل تفسير الأحلام علم قطعي تبنى عليه قرارات مصيرية؟ أم أنه اجتهاد ظني؟
دراسة هذه الظاهرة وقراءتها بالشكل الصحيح كفيل بالحد من انتشارها بهذا الشكل الفاقع، ولذلك سنجيب على الأسئلة من خلال النقاط التالية:
أولاً: أسلمة الحلم: إن المشكلة الرئيسية في مجتمعاتنا ـ للأسف ـ تكمن في أسلمة تفسيرات الأحلام وإلباسها لبوسا شرعيا حتى يكتسب أصحابها مصداقية لدى الجمهور، وكأن الأحلام خاصة بالمجتمعات الإسلامية فقط دون غيرها، نعم تفاسير الأحلام موجودة في كل الديانات، ولعل قصة يوسف – عليه السلام – من أفضل مصاديقها، لكن يجب الاعتراف بأن هناك حالة من الإفراط والتمادي في التعاطي مع هذه الظاهرة على حساب المنطق والعقل، ففي حال إعطاء العقل إجازة فستكون الخُرافة هي البديل الجاهز.
ثانياً، المشكلات الاجتماعية وتعقيدات الحياة: فشلت الثقافة المجتمعية في الانسجام مع الواقع، فما كان منها إلا أن تبحث عن أيسر الطرق لتجاوز مشكلاتها المعقدة وهي التعلق بالأحلام وتفسيراتها.
ثالثاً، فك رموز الحلم: في الحقيقة يتحدث الخبراء بأنه ليس هناك مفتاح موحد لفك رموز الأحلام، فهي بالنتيجة اجتهادات شخصية ظنية فيها من التضارب والاختلاف الشيء الكثير، وهي تتوقف على تقديرات المُعبر وعلى ثقافته وبيئته, ولا تدخل في نطاق العلوم المؤكدة والثابتة التي تُبنى عليها الأحكام المصيرية، بل المعالج النفسي يرفض في الأحلام كلمة "تفسير" ويستبدلها بكلمة "قراءة" فهو يتحدث عن عوامل مهمة لتشخيص المريض من خلال مقابلة شخصية مباشرة: كدراسة تاريخ حياة المريض، وظروفه العائلية، وبيئته، والإلمام بظروفه الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ بالإضافة إلى فنون الحوار كالإنصات العميق والاستماع الجيد.
إن قضية الأحلام وتفسيراتها هي قضية ثقافية من الدرجة الأولى، فإذا غابت مرجعية العقل ستصبح كلمة الحضور للخرافة وثقافة الوهم.