"جاك"، الشارع الحزين في شرق جدة، الذي لم يعرفه أحد قبل كارثة سيول جدة الأولى، واشتهر بعدها مباشرة على محركات البحث ومواقع اليوتيوب، وتناقلت مختلف وسائل الإعلام صور وقصص الغرق في الطوفان الذي ضرب الشارع من شرقه إلى غربه.
أمانة جدة أعادت الشارع إلى طبيعته بعد الكارثة الأولى، دون أن تعلم أن التاريخ سيعيد نفسه في هذا المكان، وأن أرصفة هذا الشارع، وأعمدة إنارته الجديدة على موعد جديد مع الغرق.
قبل 32 يوما، وتحديدا في يوم الأربعاء 22 صفر الماضي، حضر التاريخ، وهطلت الأمطار، ثم غرق "جاك"، ويبدو أن دمار هذا الشارع قد أرهق مسؤولي الأمانة، فأرجؤوا ترميمه لمعرفة "سر" الغرق.
والآن، وبعد 32 يوما من الغرق، تحول "جاك" إلى شارع ترابي، يكسوه "الطين"، وبحيرات مياه "الصرف الصحي"، ويسلكه يوميا آلاف الطلاب والطالبات، والموظفين والموظفات، متسلحين بـ"الكمامات"، حيث الروائح الكريهة، والغبار الشديد.
أهالي الأحياء التي يخدمها "جاك"، لم يتركوا بابا للأمانة إلا وطرقوه، ولم يصمتوا إزاء إهمال شارعهم الحزين، بل كل مسؤول ـ بمعاناتهم ـ حدثوه، ولكن الوعود المتكررة كانت هي "الجواب"، والمشهد المستمر هو نزف شارع "جاك".
ولأن الأهالي هم في الأساس متضررون، فقد أنهكتهم إجراءات إعادة ترميم منازلهم، وتناسوا ـ قسرا ـ مطالب تضميد جراح شارعهم "الحزين"، ورضخوا لواقع روائح النفايات، وأعمدة غبار السيارات.
وبعد 32 يوما من الفاجعة، وتحديدا في تمام الساعة 12 ليلا أول من أمس، ظهرت الأمانة فجأة، ودوت أصوات قرابة 50 معدة، و100 رجل تناثروا على طول الشارع، وبدأت أعمال الرصف والسفلتة والتجميل، والإنارة.
الأهالي ذهلوا..!، وتساءلوا، ماذا يجري هنا؟، فبين جواب لأحدهم عن أن هذا الشارع على موعد مع زيارة لمسؤول كبير خلال ساعات، وتوقع آخر بأن مطالبهم ربما وصلت الليلة لمسؤولي الأمانة، أنهت المعدات وخلال ساعات ترميم الشارع، وفوجئ الجميع صباحا، بشارع جديد، ومع إشراقة شمس أمس، ابتسم "جاك"، وهو نفسه لم يستوعب القصة بعد!.
"الوطن" وضعت هذه القصة أمام وكيل أمين جدة للخدمات، المهندس علي بن محمد القحطاني، الذي قال إن الأمانة لا تعمل في الخفاء، ولا تعمل لتحابي أحدا، أو لتجمل صورتها أمام أي مسؤول، وأن أهالي شارع جاك حفظوا وجوه مسؤولي وعمال الأمانة، جراء كثرة ترددهم على الحي بكامله.
وأكد أن هذه الأعمال تأتي ضمن منظومة العمل التي حُدد لها برنامج زمني محدد، مبررا التأخر في عمل مثل هذه الإصلاحات، بعمليات تجفيف الشارع، والمناطق المتاخمة له شرقا من المياه، لحين التأكد من تجفيفها، علما بأن هذا العمل من اختصاص شركة المياه الوطنية، غير أن الأمانة ساهمت في رفع الضرر عن السكان، وشاركت الشركة في عملها لضمان عدم ترهل أعمال الترميم، لتكون متينة ومضمونة لفترات زمنية طويلة.
واستبعد القحطاني تبريرات زيارة المسؤول، مستدلا بوقوف محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد على الشارع مرتين في وقت سابق، حيث شاهد بنفسه أعمال الأمانة هناك، ومقدما شكره لسكان الحي والشارع لتفهمهم ومساندتهم للأمانة، واستجابتهم لنقل مركباتهم من أطراف الشارع لحين اكتمال أعمال الصيانة.