كشف مستشار وزير العدل القاضي عيسى الغيث عن ثغرة قانونية بين نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية وبين نظام المطبوعات والنظر، حين أشار إلى مخالفة نظام المطبوعات والنشر لمبدأ "علنية الجلسات".

وقرن الغيث أحقية حضور عموم الناس بأحقية النشر لعموم الناس، ما لم يقرر القاضي سرية الجلسة، مستندا بذلك على المادة 61 من نظام المرافعات الشرعية الناصة على أن: (تكون المرافعة علنية إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراءها سراً محافظة على النظام، أو مراعاة للآداب العامة، أو لحرمة الأسرة). وقال الغيث موضحا "وما دام الحضور مكفولا للجميع فلا يمنع من نشر ما يدور فيه إلى خارج مجالس القضاء للجميع. وأكد الغيث أنه في حال مُنع النشر الإعلامي للمحاكمات على الإطلاق فسيكون هذا النص النظامي الخاص بالعلانية مُفرغا من محتواه.

بالمقابل يشير الغيث إلى اشتراط المادة 9 من نظام المطبوعات والنشر أن: (يُراعى عند إجازة المطبوعات ألا تفشي وقائع التحقيقات أو المحاكمات، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة)، حيث يفهم من منطوق المادة هو الذي يُفشى من الأسرار بعكس العلنيات، وأُكدت هذا المعنى اللائحة التنفيذية في مادتها 73 تحت عنوان "المسائل المحظور نشرها أو تداولها" بأنه: (لا يجوز نشر وقائع التحقيقات، أو المحاكمات المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة). وأوضح الغيث إطلاق الحظر هنا في شأن وقائع التحقيقات لكن قُيد الحظر في وقائع المحاكمات بما له علاقة بالخصوصيات بخلاف العموميات، وذلك لكون التحقيقات تقتضي (مصلحتها) كونها "سرية" بخلاف المحاكمات التي تقتضي (عدالتها) كونها "علنية".


الانتهازيون يستغلون الإعلام

ورفض الغيث استبعاد ممثلي وسائل الإعلام من حضور المحاكمات سواء بصفتهم الشخصية أو المهنية، منبها بقوله "ما دام عملهم منضبطاً بالأحكام الشرعية والأنظمة المرعية ومراعياً للخصوصيات الفردية وحرمة الحياة الشخصية"، فالغيث يؤكد أن واجب الصحافة هو إعلام الجمهور بمجريات الأحداث وتحقيق مناط أوسع لمقصود العلنية ومصالحها العامة مع مراعاة الحقوق الخاصة لأطراف القضية، واصفا النصوص النظامية التي تحكم العلاقة بين القضاء والإعلام بالواضحة التي تتسم بالمرونة والسعة.

وتبعا لذلك، دعا الغيث لإفساح المجال أمام الإعلام لخدمة القضاء، واصفا ذلك بأنه من الأمور الحضارية وله آثاره الإيجابية عند الانضباط، إلا أنه انتقد وجود بعض الانتهازيين الذين يستغلون إفساح المجال للإعلام بالضغط على القضاء وتهييج الرأي العام للحصول على أحكام معينة، هنا نبه الغيث إلى ضبط الممارسات الإعلامية إلى جانب الحرية الممنوحة للإعلام؛ عبر تجريم الاستعداء على القضاء وأطراف القضية، لأجل أن يكون الإعلام في خدمة القضاء وليس في خدمة الأطراف المتنفذين من أصلاء أو محامين على حساب ميزان العدل وهيبة العدالة.

وبعكس علانية الجلسات القضائية أشار الغيث إلى سرية التحقيقات وفق نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية، إلا أنه يحظر نشر ما له علاقة بحرمة الحياة الخاصة أو الأسرار الشخصية في الجلسات القضائية. وفرق الغيث بين نشر أية معلومات حول أية قضية كخبر إعلامي مجرد في وسائل الإعلام، وبين النشر لحمل القضاء على حكم معين؛ موضحا أن الأول "حق" بنص النظام كون المحاكمات علنية -ما لم يقرر سريتها- والثاني جريمة يُعاقب عليها، لأنّ أصل العلانية في الأنظمة السعودية مستنبط من المبادئ العامة.

ودعا الغيث إلى عدم الوقوف في وجه السلطة الرابعة، واصفا الإعلام بصمامات الأمان ووسائل الإصلاح وآليات التنمية الوطنية، بالتهذيب والتطوير ليحقق النشر الأهداف السامية للرسالة العدلية والنزاهة القضائية والشفافية القانونية، مشترطا (ألا يكون هنالك أي تعليق أو نقد أو إبداء لرأي مصادم للحصانة القضائية والاستقلال العدلي واحترام الأحكام بدرجات تقاضيها وطريقة مرافعاتها ومدافعاتها ومداولاتها، وعدم السماح بالتشكيك في ذلك)؛ لكون القضاء أهم صمامات أمان المجتمع، وإذا فُقدت الثقة فيه اهتزت عدالته؛ فيلحق البلاء الجميع، وهو المستقر في جميع البلاد؛ لأن للقضاء حصانته واستقلاله واحترامه وتقديره، وللمشكك والمتظلم اللجوء للدرجات القضائية التي تكفل العدالة للجميع.


أحقية الإعلام في الحديث

وبلهجة مختلفة تقف بين العلانية ومعارضتها، نبه مستشار وزير العدل القاضي يوسف الفراج إلى حظر التدخل والحديث في المحاكمات التي لم تكتسب حكم القطعية على الإعلام –وفقا لاستناده على النصوص النظامية والقواعد والأحكام والمبادئ العدلية- كما يشمل الحظر الذي تحدث عنه (كل نقد أو تعليق يهدف إلى التقليل من شأن القضاء وإضعاف هيبته تأسيسا على أن ذلك يُزعزع ثقة الناس بالقضاء ويشكك في حياديته وموضوعيته؛ لنقض ذلك مبدأ "استقلال القضاء"، موضحا اتساع مساحة هذا المحظور أو ضيقها وفقا لدلالته على المنهي عنه من إضعاف هيبة القضاء.

بالمقابل رأى الفراج أحقية الإعلام في الحديث عن كل ما يخرج عن الأمرين السابقين مما يهدف إلى تصحيح الوضع وإبداء الرأي في الشؤون القضائية وما يرتبط بها, والتعليق والدراسة للأحكام القضائية النهائية وتحليلها , وكل ما من شأنه رفع الوعي الحقوقي.

ونفى الفراج أن يكون ما ذكره دعوة إلى تكميم الأفواه في الحديث عن الجوانب القضائية بعامة أو مناقشة شؤونها بفهم ومعرفة بشرط عدم التدخل في القضايا والبعد عن التهويل والإحاطة بالموضوع وتحمل المسؤولية، إلا أنه أكد عظم شأن القضاء ويستحق كل هذه الحماية والرعاية. واصفا كلا من "علنية الجلسات القضائية" و"استقلال القضاء" بضمانات عدالة المحاكمات. مؤكدا أن الاستقلال يشمل عدم تدخل وسائل الإعلام ومنع كافة الضغوط على القاضي للتأثير على رأيه في الحكم، فتدخل الإعلام هنا –وفقا للفراج- يؤثر في استقلال القضاء.

وأشار الفراج إلى تقييد الأنظمة لوسائل الإعلام والنشر بقيود ترجع في محصلتها إلى :قيود مهنية وموضوعية؛ تشمل الالتزام بالكلمة الطيبة والموضوعية والصدق في نقل الخبر، إلى جانب منعها من التطرق إلى كل ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام، وكل ما يمس أمن الدولة واستقرارها ونظامها العام وعلاقاتها العامة، وكل ما يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وإفشاء وقائع التحقيق والمحاكمة.

وأمام الحديث عن حرية الإعلام وحقوق المتهم، نبه عضو مجلس الشورى الدكتور فهد بن حمود العنزي من خطورة إسهام الإعلام في إدانة الشخص وأكد العنزي الحظر على وسائل الإعلام التأثير في قناعات القاضي، فعقيدة القاضي تجاه الدعوى تتكون فقط من خلال جلسات المحاكمة وما يتولد عنها من وقائع، وإذا أثّر الإعلام على القاضي فمصير حكمه البطلان. وفقا لما نصت عليه المادة 180 من نظام الإجراءات الجزائية أن: (تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه).

وقال العنزي "كما حافظت الأنظمة في المملكة على مبدأ علانية الجلسات كأصل، فقد حافظت كذلك على مبدأ حرية النشر كأصل. ولكنها لم تجعل حرية النشر للتحقيقات ولوقائع المحاكمات هو الأصل، بل قيدته بالحصول على إذن خاص، وذلك مراعاة لطبيعة المعلومات التي يتم تداولها في الإعلام، فهي معلومات يكون الأصل فيها هو السرية وعدم العلانية. وهذا ما حرصت عليه المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر، حيث تضمنت هذه المادة شروطاً لإجازة المطبوعة ومن ضمن هذه الشروط مراعاة أن لا تؤدي إلى المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم، أو إلى ابتزازهم، أو إلى الإضرار بسمعتهم، وأن لا تفشي وقائع التحقيقات أو المحاكمات، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة. وأن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة".

فيما حذر نائب رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية بأبها وعضو هيئة حقوق الإنسان الدكتور هادي اليامي من خطورة تلقي المنظمات الناشطة الحقوقية العالمية للمعلومات عن المملكة من خلال الصحافة المحلية، وخاصة أن المعلومات المنشورة لم تعرض بموضوعية وحيادية.