مع إشراقة صباح يوم الاثنين من كل أسبوع، وما إن تطأ قدماك سوق الاثنين الشعبي بمحافظة المجاردة، حتى تتصفح الوجوه، وجوه لأناس قدموا إلى المكان من كل أرجاء المحافظة، رجالا ونساء، في فسحة من الأرض، تجد بها ضالتك، وما تبحث عنه من احتياجات حياتية يومية، فهنالك اللحوم والخضار الطازجة، وتسرقك وأن تسير روائح عطرية زكية، فيما أنت تقلب بصرك بحثا بين المواد الغذائية، أو إن شئت الأدوات المنزلية، وسواها من المستلزمات العائلية الأخرى. إلا أن ما يلفت انتباهك أكثر بعيدا عن تنوع البضاعة المتوفرة، هو وجود مجموعة من الشباب السعودي، الذين يقفون إلى جوار عربات خصصت لحمل أغراض المتسوقين، وإيصالها إلى سياراتهم. شباب في عز عطائهم، تقطعت بهم السبل فلاذوا بعربات صغيرة، يدفونها أمامهم، علها تدفع مستقبلهم خطوة ولو صغيرة إلى الأمام بعيدا عن شبح البطالة، أو تسول لقمة العيش من شخص هنا أو هناك.

العمل شرف

"الوطن" جالت في نواحي السوق، وتحدثت مع عدد من الشباب العاملين، ومنهم محمد حسن البارقي، وعلاء عبدالله عاصم، وسعد حسن سعد، والأخوان أحمد وعبده صابر، جميعهم تحدثنا معهم عن طبيعة العمل، ونظرة المجتمع، والمشكلات التي يواجهونها، إلا أن الجواب أتى واحدا من الجميع أنه "لا عيب في العمل الشريف، ونحن نعمل بجهدنا ونصرف على أهلنا وأنفسنا". مبينين أن مصدر دخلهم يأتيهم من خلال تحميل البضائع، وحمل الأغراض للمتسوقين، وإيصالها إلى سياراتهم، مقابل مبلغ مالي قد يزيد تفضلا وكرما من شخص معجب بعملهم، وقد يبخسهم آخر لا يعطي الأمر أي اهتمام. مؤكدين على أنهم لا يشترطون أي مبلغ مالي، "خاصة على كبار السن، سواء من الرجال أو النساء"، بل يأخذون ما يُعطى لهم بطيبة نفس، مضيفين أن "مجمل ما نحصل عليه في نهاية اليوم، يصل إلى ما بين 150 و200 ريال"، وهم رغم زهادة المبلغ، وارتفاع تكاليف الحياة، إلا أنهم يؤكدون رغبتهم في العمل في هذه المهنة دون تبرم أو ملل طالما كانت شريفة، فالأهم من ذلك كله، أنها تدر عليهم المال الذي يسهم في مصاريفهم ومن يعولون، حتى تسنح لهم فرص وظيفية وتجارية أفضل.

مسؤولية أسرة

محمد البارقي، شاب متزوج، ويعيل 7 أبناء، يروي لنا تجربته مع "العربة" تلك التي يصاحبها وتصاحبه يوميا، قائلا "إن الفكرة بدأت تراودني من أجل التغلب على الظروف المادية الصعبة التي أعيشها، حيث إنني متزوج، ولي من الأبناء 7، وأسعى لتأمين لقمة العيش الكريمة لهم، بجهدي وتعبي، حيث إن هذا العمل الذي أقوم به هو جزء من كثير من الأعمال الشريفة التي أمارسها ويمارسها غيري" مضيفاً أنه يشعر من خلال أدائه هذا بأنه "راض عن نفسه". ويواصل البارقي حديثه بالتأكيد على أنه يحلم بـ"أن تكون هذه المهنة قصة كفاح في يوم من الأيام"، وسيرويها لأبنائه لو حالفه الحظ وأصبح ذا مال وجاه.



رسالة إلى الشباب

الأخوان أحمد وعبده صابر تحدثا إلى "الوطن"، منتقدين النظرة الدونية التي قد ينظر بها البعض لطبيعة عملهما، كون كثير من الشباب السعودي يستحقر مثل هذه المهن البسيطة، وهما في هذا الصدد، يوجهان "رسالة لكل شاب عاطل عن العمل، بأن العمل الشريف ليس عيبا، بل العيب أن يبقى الشاب ضحية للبطالة التي قد تقوده إلى الانحراف، أو أن يبقى أسيرا لها، وعالة على غيره".

الظروف القاهرة

أوضاع هؤلاء الشبان تختلف من واحد لآخر، فعلى سبيل المثال، فإن كل من علاء سعد عاصم، وسعد حسن سعد، اشتركا في كونهما لم يكملا الدراسة النظامية، مرجعين الأمر إلى "الظروف الأسرية القاهرة"، وأنهما بعملهما يستطيعان توفير المال الذي يساعدهما على تدبر أمورهما اليومية، ومصاريفهما الخاصة دون النظر إلى ما في أيدي ذويهما، الذين يعانون أصلا من ضيق ذات اليد. ظروف دفعت بعضهم إلى القول بشيء من الحرقة إنهم أولى بخيرات الوطن من غيرهم، مبينين أن رغبة الشباب في العمل بمختلف المجالات، سوف تقلل من نسبة العمالة الوافدة، و"تحفظ خيرات بلادنا لنا".

دعم الضمان

من جهة أخرى، توجهنا إلى مدير مكتب الضمان الاجتماعي بالمجاردة، محمد بن عبده على الله، متسائلين عما إذا كان بمقدور الضمان الاجتماعي الأخذ بأيدي هؤلاء الشباب ودعمهم، حيث أوضح لنا المدير أنه "إذا كانوا مسجلين في الضمان، فإن الضمان على استعداد لدعمهم كأسر منتجة"، إلا أنه استدرك بقوله إن معظم الأسماء التي ذكرت، غير مسجلة في الضمان، ولم يسبق لأحد منهم التقدم للإدارة بخصوص طلب التسجيل، أو طلب دعم. مبديا في ذات الوقت الاستعداد التام لـ"دعم هؤلاء الشباب، سواء كانوا متزوجين أو غير متزوجين، من خلال عمل "كشكات"، يبيعون فيها ما يرونه مناسبا لهم، ولقدراتهم وإمكاناتهم".