مفهوم (الهندسة الإدارية) الذي أطلق عليه العرب مصطلح (الهندرة) ليجمع بين الهندسة والإدارة، هو أحد مداخل التغيير التي تتجاوز الترميم والترقيع الإداري، وتنتقل بالعمل من (المناخ البيروقراطي) إلى (المناخ التعاوني)، عن طريق مراجعة الأهداف والسياسات وتصميم العمليات بواسطة الهندسة والإدارة معا لتحقيق أعلى معدلات الجودة.

يهدف هذا المفهوم في فكره وفي تطبيقه إلى إدخال تغييرات جذرية تؤدي إلى التحسين الجوهري في معايير الأداء، وتقليص النفقات، واختصار الوقت وتجويد الخدمة، وذلك عن طريق تقسيم العمل وفقا (للعمليات) وليس وفقا (للإدارات).

هذا المفهوم نجح تطبيقه وثبتت جدواه في الكثير من المنظمات العامة والخاصة عالميا، وربما ينجح تطبيقه في (إدارة المدن) لأنها لا تختلف عن إدارة المنظمات بل تشترك معها في كثير من الخصائص، فهناك المدينة المتطورة وهناك المدينة المترهلة، وهناك المدينة البيروقراطية وهناك المدينة النموذجية، والمدن لا تختلف أيضا عن المنظمات، فشوارعها تمثل الاتصال والأحياء تمثل الإدارات والسكان هم الموظفون والحركة هي العمليات.

وبنظرة تأمل للأرقام الرسمية لسكان المدن في المملكة نجد أن (88%) من السعوديون يسكنون المدن، في مدينة الرياض لوحدها أكثر من ربعهم. ونتيجة لعوامل الجذب السكاني جاء الاكتظاظ السكاني وفقدت مدننا الكبرى هويتها، فلم يعد هناك المدينة السياسية أو الاقتصادية أو الصناعية أو السياحية فقط، بل نجد المدينة ذات (الهويات المتعددة) وذات النشاطات والعمليات غير المتجانسة التي ترتفع بها تكاليف الأرض والسكن والخدمات وتزدحم بها الطرقات، وتزداد بها أعباء الدولة الخدمية والأمنية. وبسبب هذا الازدياد السكاني زاد النطاق العمراني على حساب الريف والقرى، وأصبحنا في المركز الخامس عالميا في تلوث المدن حسب التقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية.

كل هذه المؤشرات والأرقام تؤكد أن هندرة المدن الكبيرة ربما هو الحل لكي لا تصبح مدننا بلا هوية.

تتويت:

تطبيق مفهوم الهندرة على المدن من (وجهة نظري) سوف يعيد لمدننا هويتها ويقلل تكاليف الخدمات ويرفع مستوى جودتها ويحد من الاكتظاظ السكاني ومن غلاء المساكن ويسهم في تطبيق التنمية المتوازنة.