- 1 ـ

لم يفز الرئيس أحمدي نجاد بادئ ذي بدء بالمقعد الرئاسي الإيراني في رئاسته الأولى عام 2005، وكذلك في رئاسته الثانية عام 2009 بطريقة ديموقراطية سليمة وشفافة. فالديموقراطية الإيرانية ليس كمثلها شيء. وهذا هو سرُّ الخلاف على هذه النقطة بين إيران والغرب. فمن بين أكثر من ألف مرشح، وهم الذين يسجلون أنفسهم للترشيح لمنصب الرئاسة، يحصل ثمانية أشخاص فقط على التصديق الرسمي من المرشد الأعلى كشرط للترشح. ويكون المرشحون كلهم من الرجال. فلا نساء، ولا سُنَّة، رغم أن عدد مسلمي السُنَّة في إيران أكثر من 15 مليوناً، ويمثلون أكثر من 20% من السكان (عدد سكان إيران 74 مليونا). وأن النساء يمثلن 52.1 % من مجموع السكان طبقاً لآخر الإحصائيات.

-2-

ويقول الباحث السياسي الإيراني أمير طاهري، إنه يمكن للمرشد الأعلى شطب أي اسم، أو الاعتراض على القائمة بأكملها. وإذا ما سُمح للمرشح بالترشّح في الانتخابات وفاز، فلا يوجد ضمان أنه سيتولى منصب الرئاسة، إذ يجب أن يُقرَّ المرشد الأعلى نتائج الانتخابات، وأن يصادق عليها. فيما يمكن أيضاً للمرشد الأعلى - الذي يبقى في منصبه مدى الحياة - طرد الرئيس، بإصدار فتوى بذلك، باعتبار أن منصب "المرشد الأعلى" - وهو المنصب الذي أسسه الخميني - لديه سلطات دستورية غير محدودة. فبغض النظر عمن فاز في الانتخابات، فإنه لن يكون سوى عضو ضمن حاشية "المرشد الأعلى" الواسعة. ورغم هذا يقول مهدي خروبي، وهو واحد من بين اثنين من الملالي، الذين كانوا مرشحين في انتخابات الرئاسة 2005: "نظامنا مثار حسد الشعوب، في جميع أنحاء العالم!" أما هاشمي رفسنجاني، المرشح الآخر، فيقول: "جمهوريتنا الإسلامية، هي نموذج للإسلام بل للإنسانية!".

ومن الجدير بالذكر والمضحك، أن هاشمي رفسنجاني- أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة - وعد الناخبين بدفع بلايين الدولارات، في حال انتخابه رئيساً في الدورة الثانية التي كان يتنافس فيها مع أحمدي نجاد، ووعد رفسنجاني خلال الساعات الأخيرة من الجولة الثانية للحملة الانتخابية في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، بأن يدفع في حال فوزه لكل عائلة إيرانية 100 مليون ريال إيراني (نحو 11 ألف دولار) من أسهم مؤسسات الدولة، التي سيتم تخصيصها.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد العائلات الإيرانية يبلغ 14 مليوناً، مما يعني أن المبلغ الإجمالي سيشكل نحو 155 بليون دولار. وقال رفسنجاني إنه سيكون على العائلات أن تعيد تدريجياً مبلغ المئة مليون ريال على فترة عشر سنوات!

وقال: إن العاطلين عن العمل سيحصلون شهرياً على 800 ألف - 1.5 مليون ريال إيراني (90 - 165 دولاراً). ويبلغ عدد العاطلين عن العمل حالياً في إيران أكثر من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل. وبحسب الأرقام الرسمية، يعيش نحو ستة ملايين إيراني تحت خط الفقر، إلا أن العدد يتجاوز 15 مليوناً، بحسب المعلومات المتداولة.

-3-

مع وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة السادسة 2005 ثم السابعة 2009، وقيام مظاهرات الاحتجاج التي شملت العالم كله تقريباً احتجاجاً على نتائج هذه الانتخابات، أصبح الشأن الإيراني هو الشأن الشرق أوسطي الأكبر، والأهم بالنسبة للعرب والغرب على السواء. ولذلك كله مبررات كثيرة. ولكن المبرر الأكبر، هو أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد جاء ليقود ـ ما يعتقده ـ ثورة شاملة في إيران، التي تعتبر ـ برأيه ـ أكبر من الثورة الخمينية 1979، وأعظم أثراً.

وقد اعترف بهذه الثورة أحمدي نجاد، الذي اعتبر أن النظام الإيراني الحالي ارتد على الثورة الأولى، وانحرف عنها، وخانها، حيث يتصدى أحمدي نجاد و"الباسدران" من ورائه، إلى إحياء الثورة الخمينية، والنفخ فيها. فهم ينددون بالانفتاح دفاعاً عن المساواة، التي يزعمون أنها من صُلب الثورة الخمينية التي عزلت المسلمين السُنَّة، والنساء، وحرمتهم من حقوقهم السياسية (وهؤلاء مجتمعين، يُشكلِّون أكثر من 70% من السكان) كما هو معروف.



-4-

فما هي خطوات "الثورة النجادية" المزعومة منذ 2005 ، وحتى 2013؟

1- إذا كانت الخمينية، قد هددت بالكلام والشعارات بتصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار، فإن ما تفعله "النجادية" الآن؛ هو التهديد الحقيقي الفعال والواقعي بتصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار عسكرياً ومالياً وسياسياً. فقد تدخلت إيران مباشرة وبشكل واسع في الشأن العراقي، وفي الحضور السياسي الواقعي في العالم العربي، مروراً بفلسطين، والفوز الكاسح لـ"حماس" في الانتخابات التشريعية 2006، ودعم "حزب الله" بالمال والسلاح. وتعهد إيران الضمني والسري لإحلال العملة الإيرانية محل اليورو الأوروبي والدولار الأميركي، مقابل تمسك "حماس" بالمبادئ الخمينية تجاه القضية الفلسطينية المتمثلة في عدم الاعتراف بإسرائيل، ومواصلة السعي لتدميرها، وتحرير كل ذرة تراب من فلسطين التاريخية، كما أشار خالد مشعل في خطابه في دمشق 27 /1 /2006. 2- وإذا كان صدام حسين استطاع أن يُلهي الثورة الخمينية، ويصرفها عن تصدير ثورتها إلى الخارج باختلاق حرب الخليج الأولى (1980-1988) المدمرة، وإشغال إيران بهذه الحرب، بحيث استنـزفت هذه الحرب طاقات إيران المالية والسياسية والإعلامية فإن إيران نجاد اليوم، في حال أفضل بكثير عما كانت عليه في 1980، يوم بدء حرب الخليج. كما أن إيران في حال أكثر تفضيلاً عما كانت عليه في عام 1988، عام انتهاء الحرب، والأعوام التي تلتها. وما لدى "النجادية" الآن من إمكانات سياسية، وتأييد جزء كبير من الشارع الديني/السياسي في الباكستان، وأفغانستان، وإندونيسيا، وماليزيا، لوقوف إيران إلى جانب الإخوان المسلمين في تونس، ومصر، وفلسطين، ودعوة نجاد إلى محو إسرائيل من الخارطة، والقضاء عليها في فلسطين.. إلخ؛ كل هذا يفوق ما كان لدى الثورة الخمينية من إمكانات منذ 1979، وحتى قبل انتخاب نجاد في 2005، و 2009.