سأتحدث اليوم عن موضوعين اقتصاديين عالميين، وسبب انتقالي من الشأن المحلي إلى الشأن العالمي، هو لأن الشأنين أصبحا يتقاطعان في مواقع كثيرة، ومؤثرة في الطرفين، فأهمية المملكة كأكبر مصدّر للنفط، ومن ثم قدرتها الاقتصادية، سمحتا لها بالجلوس حول طاولة دول العشرين، مثلها مثل الهند، والبرازيل، وغيرهما من الدول الصناعية، وفي ذات الوقت فإن ما يحدث في الدول الصناعية من نمو، أوركود اقتصادي، فهو يؤثر علينا من خلال الطلب على البترول، وقد شاهدنا أسوأ تلك الحالات عندما انخفض سعر برميل النفط إلى (9) دولارات في عام 1994.
ولذلك سأتحدث عن قضيتي الوحدة النقدية الأوروبية، وحركة الاحتجاجات العالمية ضد قطاع الأعمال، والتي تسمى "حركة احتلال منطقة وول ستريت" في نيويورك:
1 – الوحدة النقدية الأوروبية: منذ عام 1958، وأوروبا تبحث عن أساليب توحيد لها، تبعدها عن شبح الحروب السابقة، وتوجد نوعاً من التكامل السياسي، أو الاقتصادي بينها، وبالرغم من الاختلافات فيما بينها، فقد اتفقت على تطوير آلية التكامل الاقتصادي، وبدأت تلك الخطوات فيما سمي أوروبا الغربية، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كانت هناك عاطفة جامحة لتوسيع عضوية الوحدة، بحيث تم التراخي حول شروط العضوية، ومن ثم دخلت دول مثل اليونان، وعدد من دول أوروبا الشرقية، بل إن الحديث بدأ يتصاعد حول أن اليونان قد قدمت إحصائيات مغلوطة، وقبلتها الدول المؤسسة، وهي تعرف ذلك، لأن أوروبا أصبحت تشعرأنها باتت ضعيفة بعد بروزالصين كقطب جديد، في حين أن أوروبا تعاني من صغرها الجغرافي، ونقص مواردها خصوصاً ما يتعلق بالطاقة، وكذلك ارتفاع كلفة عمالتها، ومشكلة المهاجرين من الدول المحيطة بها.
وهنا لابد من التذكير بأن الجامعة العربية قد أسست قبل جهاز الوحدة الأوروبية، بثلاث عشرة سنة، ومع ذلك فهي لم تحقق 0.1% مما حققه الأوروبيون!
ولكن بشكل عام أوروبا تعاني اليوم، ولا خيار أمامها، إلا أن تقف متعاضدة مع بعضها، لأن التشرذم سيكون في صالح منافسيها، وهم لا يقتصرون على الدول الأكبر إقتصادياً، وإنما هناك البرازيل، والأرجنتين، والهند، وكلها مؤهلة لتأخذ من نصيب أوروبا ضعيفة.
2 – القضية الأخرى هي حركة احتلال منطقة "وول ستريت" للتعبير عن رفض الرأسمالية، والسياسات المحابية لقطاع الأعمال، والبنوك، على حساب العمال.
ويلاحظ هنا أن الشيوعية، والاشتراكية، لم تعودا محركين لهذه الاحتجاجات، ولكن من خسروا وظائفهم، ومثلهم من لم يجدوا عملاً من جيل الشباب، كلهم يعبرون عن رفضهم لقرارات السياسيين والاقتصاديين، بالعمل على سياسات تقشفية، لاتأخذ بالاعتبار أوضاع تلك الشريحة الكبيرة من المواطنين.
وهنا يفترض أن تكون صناديق الانتخاب هي الفصل في الموضوع وليس الاعتصامات في الشوارع، ولكن يبدو أن الثقة في الأنظمة السياسية في الدول الغربية هي في تناقص، ولا تساعد الأمور مواقف صندوق النقد الدولي.
نحن جزء من ذلك العالم، ولابد من أن ندرس تلك الظواهر، وألا نرتكن إلى تحسن أسعار البترول، بحيث نفتخر في كل محفل بأننا غير معنيين، وغير متأثرين، بما يحدث، لأنه في نهاية المطاف سنتأثر مثل غيرنا، إما إيجاباً، أو سلباً!