نعيش التطور اللاهث.. نعيش السرعة العاصفة.. نعيش التحوّل الصاعق.. كل لحظة تحمل جديدا يحيل القديم إلى أثرٍ دارس حتى لو كان هذا القديم لم يمض على ولادته إلا بضعة أشهر.

خطوات تتسارع.. قفزات لها طابع سحري، ودوار رهيب لا يحمل الراحة، ينبض بالتقلّب والصيرورة المستمرة.

العين زائغة تكدّ في أن تثبت على مشهد وتكدّ في أن تحتفظ بتفاصيله وتدخله في دائرة الخبرة. لكن هذا المشهد سرعان ما يجدّ في الرحيل، يُخْلِي المكان لعناصر بازغة تؤثث لمجال العين وسائر الحواس منطقةً لا تفتأ تنشغل بقدوم الطارق الأول وملامحه الغريبة، وتعود الكرّة من الجديد حيث عصا الرحيل تسبق هذا الطارق وتحمله في موجها الغلاّب.

هدير متلاطم يطغى ويزحف.. يمارس الإخلاء أولا بأول تحت صيحة صارخة رنّانة: الأجد.. الأحدث.. الأبرز.. الأسهل.. الأرخص.. الأكثر اختصارا.. الأشمل.. الأكثر إحاطة.

كل مناحي الحياة الإنتاجية، الاستهلاكية في شؤون الاكتشاف والاختراع وفي مسائل النظر الاجتماعية والفكرية تجد هذا الهاجس وتتحسّس وطأته.

عالم الأزياء لم يعد مختصا بموضة الملابس وحسب. مصطلح الموضة أصبح يهيمن على جميع المجالات.. لا شيء ثابت. يصبر على حاله..

دوّامة صاعدة تأخذ كل شيء إلى التبعثر والإحلال في صيغة تعديل، دائما، جديدة..

خرائط تحتاج دوريا إلى الإعادة والتنقيح من قبل أن يجف حبر طباعتها وتأخذ دورتها المعتادة بين الناس.

يكفي أن تنزل الأسواق وتحظى بالنصيب من الذيوع والانتشار، لتتفاجأ بما يزحزحها بغلظة ويخلع عليها رداء باهتا كجدار يتقشّر طلاؤه وهو بعدُ لم تغادره يد الدّهان.

من كل شيء تنبثق أجيال جديدة، تغريك كل آنٍ بشيءٍ مختلف، وتعوّض نقصا تتداركه الأيدي الخبيرة بالإكسسوارات والدناديش!!.

زمن السرعة والاختزال يطبق على رقبة الكائن.. المتعة لا تتحصّل إلا كطرفة عين..

المتعة الحادثة من التأمل والمكوث في الألفة مع الأشياء والحوار معها من الصعب العثور عليها.

رداء الألفة ينزلق عن الأكتاف.

زمن الاختمار والنضج ولّى إلى غير رجعة.

نحن الآن في زمن التهجين والكائنات الممسوخة.

أين نجد، لحظة الصفاء، في كل هذا الماء العكر؟.