هدد العقيد الليبي معمر القذافي المتظاهرين الذين يطالبون بتنحيته والذين سيطروا على عدد من مدن البلاد برد ساحق شبيه بقصف البرلمان في روسيا أثناء وجود النواب بداخله وسحق الصين حركة تيان انمين في بكين والقصف الأميركي للفلوجة في العراق. وأعلن القذافي في كلمة متلفزة أمس أن المتمردين الذين سيطروا على بعض مدن البلاد يستحقون الإعدام بموجب قانون العقوبات الليبي لأنهم "رفعوا السلاح ضد الدولة". وأنحى باللائمة في الاضطرابات على مجموعة قليلة مندسة تقدم حبوب الهلوسة والأموال للشبان لتقحمهم في هذه الأعمال. كما دعا المواطنين الليبيين ممن يؤيدونه لأن يخرجوا من اليوم ليظهروا تأييدهم و"يتصدوا لجرذان ومرتزقة المحتجين الذين يريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية"، قائلا "نحن لم نستخدم القوة بعد وإذا تطورت الأمور سنستخدمها وفق المواثيق والدساتير الليبية".

وهاجم القذافي الأجهزة الإعلامية العربية والغربية قائلا إنها تحاول تشويه صورة الشعب الليبي أمام العالم، وقال إن المواطن الليبي "لم تكن له هوية في الماضي أما اليوم وبعد الثورة فقد صارت له هوية مشددا على "إنها ليبيا القذافي ليبيا الثورة". وقال إن حكام العالم بمن فيهم حكام القوى النووية يتطاولون على ليبيا ومدنها لتشويه صورتها وإهانة شعبها.

ونفى القذافي ما تردد عن احتمال تنحيه قائلا "معمر القذافي ليس رئيسا أو صاحب منصب كي يستقيل.. هذه بلادي ولن أتركها"، مضيفا أن "معمر القذافي تاريخ ومقاومة وثورة". وتابع "أنا لست رئيسا ورجلا عاديا حتى يتم قتلي بالسم.. أنا مجد لا تفرط فيه ليبيا أو الشعب الليبي"، متسائلا "أين كنتم حينما كان يقصف بيت معمر القذافي"، لافتا إلى أن هناك شبابا يقلدون أحيانا ما حدث في مصر وتونس. ودعا القذافي لتشكيل "شعبيات جديدة وبلديات" في إشارة لتفويضه الشعب لتكوين إدارات محلية تقوم على تصريف الأمور في المدن الليبية. وأكد القذافي على عدم اعتزامه ترك منصبه قائلا: "لو كان عندي منصب لاستقلت منه"، موجها حديثه للمتظاهرين قائلا: "إنكم تواجهون صخرة صماء".

وقدرت المعارضة الليبية أعداد من لقوا حتفهم في ليبيا منذ بدء الاحتجاجات بأكثر من 560 شخصا، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن هناك نحو 1400 شخص لا يزالون في عداد المفقودين. وفي المقابل قدرت الجالية العربية في روما نقلا عن مصادر داخل ليبيا أن نحو ألف شخص سقطوا قتلى نتيجة غارات القصف التي شنتها قوات الأمن الليبية ضد المتظاهرين.

وفي غضون ذلك قال البيت الأبيض إنه يدرس اقتراحا قدمه السناتور الأميركي جون كيري لبحث إعادة فرض عقوبات على ليبيا ولكن في الوقت الراهن ينصب تركيز الولايات المتحدة على وقف إراقة الدماء هناك والعمل مع المجتمع الدولي.

وبدت الأوضاع في مدينة بنغازي التي شهدت أسوأ أحداث عنف، هادئة أمس مع استمرار المظاهرات حيث بات مئات المحتجين ليلتهم قبالة ساحة القضاء الرئيسية في المدينة. وذكر شاهد عيان، أن قوات الصاعقة الليبية انضمت للمتظاهرين في بنغازي ووعدت بتحقيق الأمن. وأوضح أن إقالة الحكومة هو مطلب المحتجين الأول لأن هناك الكثير من المجازر التي ترتكب، ولا سبيل لأن يتخلوا عن مطالبهم. وفي سياق متصل أصدر ضباط بالجيش الليبي بيانا يطالب كافة أفراد الجيش بالانضمام إلى ثورة الشعب ضد نظام القذافي. ودعا ضباط الجيش في البيان، عناصر الجيش كافة إلى "التلاحم مع الشعب الثائر ضد نظام القذافي المجرم". وجاء في البيان الذي حمل توقيع اللواء المهدي العربي عبدالحفيظ "ندعو كافة أفراد الجيش إلى الزحف إلى مدينة طرابلس لطرد القذافي منها". وحث دبلوماسيون ليبيون في الأمم المتحدة الجيش الليبي على الإطاحة بمعمر القذافي الذين وصفوه بأنه "طاغية" واتهموه بارتكاب "إبادة" بحق شعبه. واتهم أعضاء في البعثة الدبلوماسية الليبية وعلى رأسهم مساعد السفير إبراهيم الدباشي القذافي أيضا بأنه استقدم مرتزقة من دول أفريقية أخرى لقمع المتظاهرين. وطالبوا بإغلاق المجال الجوي الليبي. وقالوا في بيان باللغة العربية إن "الطاغية معمر القذافي أظهر بوضوح عبر أولاده مستوى الجهل الذي هو فيه وأولاده وإلى أي مدى هم يحتقرون ليبيا".

وتواصلت استقالات العديد من الدبلوماسيين الليبيين العاملين بالبعثات الدبلوماسية في الخارج، حيث قال السفير الليبي لدى الولايات المتحدة أمس إنه لم يعد يمثل "النظام الدكتاتوري" في بلاده وطلب من القذافي الرحيل. كما أعلن ثلاثة دبلوماسيين ليبيين في السويد فيها استقالتهم من مناصبهم احتجاجا على أعمال العنف. كما استقال السفير الليبي لدى الهند علي العيساوي. كذلك قطعت السفارة الليبية في أستراليا ارتباطها مع نظام القذافي حيث قال الملحق الثقافي في السفارة عمران ذويد "إننا نمثل الشعب الليبي ولم نعد نمثل النظام الليبي". وفي الصين استقال دبلوماسي ليبي داعيا جميع العاملين في السلك الدبلوماسي الليبي للقيام بالخطوة ذاتها. وفي ماليزيا قال السفير بوبكر منصوري "لم يعد ولاؤنا للقذافي بل للشعب الليبي". كما تقدم السفير الليبي في بنجلاديش باستقالته في خطوة لدعم المتظاهرين.

وفي سياق متصل بدأت السعودية تنفيذ إجراءات أمنية لضمان سلامة العاملين في سفارة خادم الحرمين في طرابلس وعائلاتهم. وأوضح وكيل وزارة الخارجية الأمير خالد بن سعود بن خالد أنه صدرت التوجيهات السامية بإرسال طائرة خاصة إلى طرابلس لنقل المواطنين وعائلات منسوبي السفارة إلى أرض الوطن، كما شملت التوجيهات نقل عدد من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الراغبين في القدوم للمملكة. وأضاف أنه يتوقع أن تصل الطائرة إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض صباح اليوم.

وبدوره قال رئيس الدائرة الإعلامية بوزارة الخارجية أسامة نقلي لـ"الوطن" أن اتصالات مكثفة تجري مع الحكومة الليبية لضمان أمن أعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية.