الفكر والمال والإرادة، ثلاثة أضلاع تشكل مثلث التنمية أيا كانت مجالاتها، ولكن في عالمنا العربي أنت على موعد دائم مع الضلع الناقص!. فإذا وجد الفكر والمال افتقدنا الإرادة، وإذا وجد الفكر والإرادة غاب المال، وإذا تحقق المال والإرادة غاب الفكر.

فمثلاً حينما كانت الأندية الأدبية – وليس كلها بالتأكيد – تغط في نوم عميق، كان المبرر الجاهز هو ضعف الإمكانات المادية التي تستطيع من خلالها الأندية أن تنجز مشروعات ثقافية وأدبية وفكرية كبرى، وعندما توفرت الميزانية الضخمة بدعم خادم الحرمين الشريفين المتمثل في عشرة ملايين ريال لكل نادٍ، لم نشهد إلاّ خمولاً أيضاً، يبرره البعض أحياناً بانتخابات الأندية التي أكلت وقت الفكر والإبداع والإنجاز لحساب الشخصي!، فانتفخت كراسي الإدارات، وظلت الفعاليات على حالها: أمسية هنا، وكتاب هناك...!، والبعض الآخر برره بغياب الفكر، بمعنى أن من هؤلاء الذين تم انتخابهم من لا يملك فكراً ولا إبداعاً، وأن هذه الانتخابات لم تفرز الصالح للمكان إلاّ فيما ندر، وتلك إشارة مؤلمة إلى واقع جسدته الطعون في بعض الأندية، كما تجسده أيضاً التصريحات المتكررة لوكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور ناصر الحجيلان منذ انتخابات نادي مكة وحتى انتخابات الأحساء، بأن هناك ثغرات في لائحة انتخابات الأندية، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تعديلاً للائحة.

أمثلة كثيرة على هذا الضلع الذي ينقص دائماً، فتجد مبدعاً حقيقياً لا يملك ما يطبع به فكره وأدبه، وتجد (وجيهاً) لا يملك من الفكر أو الإبداع ما يقيم جملة واحدة، وتتعدد مطبوعاته!.

مؤسسة الفكر العربي انتبهت مبكراً إلى ضلع مهم من هذه الأضلاع حينما أسفر الاجتماع التحضيري الأول للقمة الثقافية العربية في 13 و14 يوليو 2010 عن دعوة الأثرياء العرب أياً كان مجال عملهم – اقتصاد – إعلام – سياسة – إلخ، ليسهموا بدور فاعل في تنمية الوطن العربي ثقافياً، ليس على سبيل الهبة أو المن، بل على سبيل الواجب الذي يحتم عليهم المشاركة في بناء مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي تعنى بالثقافة والفكر، ولكن يبقى ضلع (الإرادة) هو الأهم – برأيي – لإثراء المشهد الثقافي والفكري العربي، إذا أردنا نهضة ثقافية حقيقية ذات أثر على المستويين القريب والبعيد، وإلى أن تتحقق هذه الإرادة، لا أعتقد أن حياتنا الثقافية ستتأثر كثيراً بأمسية شعرية، أو ندوة قصصية، أو كتاب لا يقرأه إلاّ أصدقاء الشاعر أو الروائي!.