تدخلت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لرصد ظاهرة حرمان بعض الأسر لأبنائها وخاصة "البنات" من التعليم في بعض القرى والهجر النائية بمختلف مناطق المملكة للاستفادة منهم في رعي الأغنام والخدمة المنزلية، بما يخالف الأنظمة والتعليمات القاضية بإلزامية التعليم.
وأبرقت الجمعية في أولى خطواتها لبعض رؤساء المراكز للتأكد من تفشي الظاهرة في بعض القرى والهجر، في الوقت الذي أجاب رئيس مركز يتبع لمنطقة عسير (تحتفظ "الوطن" باسمه) في خطاب رسمي أرسله للجمعية بأن مثل تلك الحالات موجـودة بحكم أن المنطقة أغلبها بادية وسكانها بدو رحل وأن بعض القرى تكون بعيـدة عن مواقع المدارس مما يصعب على الناس تعليم بناتهم إلا من كان مقتدرا ماديا.
رصدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ظاهرة منتشرة في بعض القرى والهجر النائية في بعض مناطق المملكة، تمثلت في حرمان بعض الأسر أبنائها - وخصوصا البنات - من التعليم والزواج من أجل الاستفادة منهم في رعي الأغنام والخدمة المنزلية.
وتقوم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان حاليا بدراسة مدى انتشار مثل هذه الحالات في المجتمع، خاصة أن الأنظمة والتعليمات تقضي بإلزامية التعليم.
وعلى صعيد متصل خاطبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان رؤساء مراكز هجر وقرى للتأكد من الظاهرة. وقال رئيس مركز يتبع لمنطقة عسير (تحتفظ الوطن باسمه) في خطاب رسمي أرسله للجمعية - حصلت "الوطن" على نسخة منه - "إن مثل تلك الحالات موجودة بحكم أن المنطقة أغلبها بادية وسكانها بدو رحل، وأن بعض القرى تكون بعيدة عن مواقع المدارس مما يصعب على الناس تعليم بناتهم؛ إلا من كان منهم مقتدرا ماديا حتى يتمكن من تأمين وسيلة نقلهن إلى المدارس، أما من كان وضعه المادي ضعيفاً فيصعب عليه إلحاق بناته بالتعليم لبعد المدارس وعدم وجود وسيلة نقل".
وبين رئيس المركز في خطابه معلقاً على استفسار جمعية حقوق الإنسان بالنسبة للاستفادة منهم في رعي الأغنام والخدمة المنزلية أن هذا شيء طبيعي لأنه لا يوجد من يخدم الأسر سوى بناتها وأبنائها، مؤكدا أنه لا يوجد لديهم في المركز أي دعوى أو قضية بهذا الموضوع أو تذمر من مثل هذه الحالات.
وأفاد بأن من أكمل دراسته الثانوية يصعب إلحاقه بالجامعة نظرا لبعد المسافة، في ظل عدم توفر وسيلة نقل من مقر سكنهم حتى موقع الجامعة، وإذا توفرت وسيلة النقل فستكون على نفقة ولي أمر الطالبة بواقع مبلغ يصل إلى ألف ريال شهريا؛ مما يدفع بولي الأمر إلى قطع دراسة ابنته لعدم قدرته على دفع تلك التكاليف.
من جهته, ذكر رئيس فرع الجمعية بمنطقة عسير الدكتور علي الشعبي أن الفرع لا يعلم عن مشكلة المركز التي انتشرت فيه ظاهرة استغلال الأطفال وحرمانهم من التعليم والزواج. وقال إن الجمعية ربما علمت بالأمر وبالتأكيد ستحقق في الظاهرة, مشيرا إلى أنه إذا تأكد انتشار الظاهرة في المركز المذكور فإن الجمعية في الرياض ستحيل نتائجها إلى وزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات المناسبة المتمثلة في توعية سكان هذه القرى والهجر. وأضاف "أعتقد أن حل مثل هذه المشكلة سيكون على المدى البعيد".
وعن تلك الظاهرة أكد استشاري علم الاجتماع الديني بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الدكتور منصور العسكر أن حرمانبعض أبناء الأسر من التعليم وتوجيههم للأعمال المنزلية أو الأعمال الحرفية يرجع إلى الخصائص الاجتماعية للوالدين والأسرة والبيئة التي يعيش فيها الأبناء، وتكثر هذه الحالات في البادية وفي المواقع البعيدة عن المدن . وقال العسكر إنها لا تعتبر ظاهرة وإنما هي موجودة في المجتمع الريفي الذي في الغالب لا يشعر بقيمة التعليم وأهميته في المجتمع، ولطالما رأينا صغار السن الذين يعملون في الرعي أو ورش السيارات أو معارض السيارات أو بسطات الخضروات أو المبيعات المتجولة .
وبين أن على المجتمع أن يضع ضوابط وأنظمة تحد من حرمان الأطفال من التعليم لإلحاقهم بمهن منزلية أو حرفية، مؤكدا قلة هذه الحالات في المجتمع السعودي وان ذلك لدى الأسر التي لا تدرك قيمة التعليم وأثره في التعامل مع الآخرين . وأشار إلى أن هذه الحالة تبدو جلية لدى الأخ الأكبر والأخت الكبرى اللذين يأخذان على عاتقهما تحمل مشكلات الأسرة في حال وفاة الأب أو الأم أو مرضهما.
وأضاف أن الدولة عملت على الحد من هذه الظاهرة عن طريق ربط صرف الضمان الاجتماعي للأسر بتعليم الأبناء؛ حيث يعتبر هذا شرطاً أساسياً في الحصول على الإعانات، وشدد على دور وزارة التربية والتعليم في معرفة أهم مشكلات المتخلفين عن قطار التعليم، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاتهم، وعمل دراسات وبحوث علمية تناقش مثل هذه المشكلة باعتبارها تسرباً من التعليم، وأن تكون هناك عقوبات وغرامات مالية على الأسر التي تحرم أبناءها من هذا الحق الذي يعتبر في الوقت الحالي من أهم حقوق الحياة، مع أهمية تكثيف البرامج التوعوية.
من جهتها اشارت استشارية الطب النفسي بجامعة أم القرى الدكتورة عبير الصبان إلى أن حرمان الأبناء من التعليم لا يعد ظاهرة في السعودية، فأي متغير لابد أن تكون هناك دراسات بشأنه لمعرفة نسبة الانتشار وأخذ عينات من كل المدن، ووجود مقياس لمدى انتشار هذه الظواهر الاجتماعية، مبينة أن هذه الحالات تكون بنسب قليلة، وتكثر في القرى والهجر التي تعتمد بيئتها على العمل الحرفي، أو نتيجة لعدم وعي الإنسان في هذه المواقع بأهمية التعليم .
وقالت إن التعليم خلال هذه الفترة من الزمن لم يعد من كماليات وجود الإنسان في الحياة بل إنه يعتبر من أهم أسباب وجوده وفهمه للحياة وتعاطيه معها، لقد أصبح التعليم العام والعالي متطلباً للحياة ، ولكن قد تكون هناك ظروف تحرم الإنسان من التعليم وخاصة عند وجود مشكلات في الأسرة يتحملها الابن الأكبر أو البنت الكبرى، وسواء أكان الحرمان من التعليم نتيجة لوفاة الوالدين أو لمرضهما أو لفقر الأسرة وغير ذلك من الأسباب إلا أنه يخلف أثاراً نفسية سلبية، وشعوراً بالظلم والقهر والاكتئاب وبعض الانحرافات في السلوك نتيجة للشعور بالظلم . ولعل هناك ظاهرة نلمحها جلية في المجتمع السعودي هي تشغيل الآباء والأزواج للبنات والزوجات في أعمال مختلفة طمعا في الراتب. وصنفت الصبان حرمان الأبناء من التعليم على أنه من أنواع العنف الذي يؤثر سلبا على بناء الشخصية السوية وفقدان الثقة بالنفس، فحق التعليم حق تطالب به منظمات حقوق الإنسان وتوقع حوله اتفاقيات ومعاهدات مما يؤكد أهميته لحياة الإنسان.