مع بقاء سنتين تقريبا لرحيل القوات الأمريكية من أفغانستان، أصبحت أفغانستان ما بعد رحيل أمريكا محط اهتمام كبير لدى المراقبين. القضية الأمنية، مستقبل العلاقات بين باكستان وأفغانستان، المباحثات غير المنتهية مع طالبان، وقدرات الجيش الأفغاني هي القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها في تركيا. في الفترة الواقعة بين 1-2 نوفمبر، كانت اسطنبول تستضيف اجتماعات على مدى يومين بين الرئيسين التركي والأفغاني لتحقيق المصالحة بين البلدين بعد أن توترت العلاقات بينهما على إثر اغتيال الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني في سبتمبر الماضي.

الرئيس الأفغاني السابق رباني، الذي كان يقود مجلس محادثات السلام مع طالبان، تعرض للاغتيال على يد رسول سلام أرسله مجلس (كويتا) في باكستان.

منذ ذلك الوقت، انتهت جميع محادثات السلام بين طالبان، وقال الرئيس كرزاي إنه يئس من طالبان وإنه ربما كان عليه أن يتفاوض مع باكستان، لأن طالبان لا يبدو أنها جماعة واحدة. وحيث إن المقاومة المسلحة تشكل أحد أكبر التهديدات ضد الاستقرار والأمن في أفغانستان، فإن من المستحيل تحقيق تقدم إذا لم يتخل المسلحون عن سلاحهم. قبل يوم واحد فقط من مؤتمر اسطنبول، فجر انتحاري في كابول سيارة مفخخة في حافلة تحمل عناصر تابعة للقوات الدولية، مما أدى لمقتل 17 شخصا جميعهم من الأمريكيين. هذا الهجوم كان أحد أسوأ الهجمات ضد قوات أجنبية منذ 2001، ومثل هذه الهجمات نادر في العاصمة كابول.

هذه صورة أفغانستان اليوم بعد 10 سنوات من سقوط طالبان. صورة مخيفة تجعل السكان والأجانب وحتى قوات حفظ السلام يشعرون بالإحباط التام من مستقبل هذا البلد.

الفساد الذي يؤثر كثيرا على الحكومة أصعب من أن يتم إصلاحه وليس من مصلحة أحد أن يبذل الجهود المطلوبة لتحقيق تغييرات هامة. أينما تذهب فإن الموضوع الرئيسي للنقاش هو كابوس 2014 : الجميع يعتقدون أن الحياة ستكون صعبة جدا دون وجود القوات الأمريكية والدعم الذي تمتعوا به على مدى 10 سنوات، ويظنون أن الحياة ستكون تعيسة وأسوأ مما هي عليه الآن في أفغانستان.

ما هو الحل لتحقيق مهمة ذات معنى في أفغانستان؟ هل يمكن لمؤتمر لمدة يومين في اسطنبول بحضور وزراء من 17 دولة أخرى أن يكون بناء بما فيه الكفاية؟ كان هذا هو المؤتمر السادس حول أفغانستان يعقد في تركيا بدعم من الحكومة التركية التي تلعب دورا رئيسا بين باكستان وأفغانستان منذ 2007. لكن التاريخ يبين أن مثل هذه الوساطة بين هذين البلدين الجارين لم تؤد إلى أي نتيجة.

باكستان لها مصالح عديدة في أفغانستان ولن تتخلى عن القتال هناك في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للخروج من أفغانستان بطريقة حسنة بعد أن استثمروا الكثير هناك. باكستان لديها إستراتيجيتها ومصالحها الخاصة في أفغانستان، أما الرئيس الأفغاني كرزاي فربما لا يسعى لأكثر من البقاء في السلطة.

رغم كل الفضائح التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في أفغانستان، قررت الولايات المتحدة واللاعبون السيئون الآخرون أن يحافظوا على وجود كرزاي في كرسي الرئاسة لفترة رئاسية أخرى، وذلك لدواع أمنية أولا، ولأن تكلفة إجراء انتخابات جديدة عالية للغاية.

هناك عدد من الفئات التي ساعدت كرزاي على البقاء في السلطة، ويبدو أنه بعد قضاء 12 سنة في السلطة لا ينوي أن يتنحى عندما تنتهي فترته في 2014. الناس حوله يتهامسون بأنه قد يستخدم انسحاب القوات الأمريكية كذريعة لرفض إجراء الانتخابات القادمة والدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس (لويا جيرجا) لضمان البقاء في مركزه لفترة أخرى.

في اسطنبول لم يتم الإعلان عن أمور هامة في اليوم الأول بعد الاجتماع المغلق بين الرؤساء الثلاثة: التركي والباكستاني والأفغاني. ما قالوه هو أنه تم الاتفاق على أن تقوم باكستان وأفغانستان بإجراء تحقيق مشترك حول مقتل الرئيس الأفغاني السابق رباني.

من الصعب تخيل حدوث تحقيق فعال في هذه القضية، خاصة إذا علمنا أن الرئيس الباكستاني زرداري لم يستطع حتى الآن إجراء تحقيق فعال حول مقتل زوجته بنازير بوتو منذ أربع سنوات أو الكشف عن أسماء الذين اغتالوا زوجته.

مقتل رباني جعل معظم القادة الأفغان الرئيسيين يفقدون ثقتهم بالرئيس كرزاي. كان رباني يشكل حلقة توازن معتدلة بين عدة أطراف في أفغانستان. من خلال دبلوماسيته النشطة، استطاع رباني أن يقنع زملاءه المجاهدين بأن يقفوا إلى جانب كرزاي ويؤيدوه رغم اختلافهم حول إعادة انتخابه. ولكن بوجود أطراف أفغانية هامة، مثل عبد الله عبد الله وأحمد والي مسعود، يلومون كرزاي على مقتل رباني، سيكون من المستحيل تقريبا للرئيس كرزاي أن يستعيد ثقتهم ويعيد إطلاق مباحثات السلام مع طالبان. الصحافة المحلية في أفغانستان وما تقوله النخبة يعبر عن إحباط كبير. الأفغان ليسوا متفائلين بالمؤتمر الذي عقد في اسطنبول أو بالمؤتمر الذي سيعقد في ألمانيا بعد خمسة أسابيع، ولا يعتقدون أن هذه المؤتمرات ستستطيع أن تحقق أي تغيير على الأرض.