في السنوات القليلة الماضية كانت أسعاراللحوم بشكل عام في متناول اليد، وكانت أسعارالأغنام مقبولة، ومعقولة، وكان بالإمكان أن يشتري الفرد الخروف، أو الخروفين ويقدمها لضيوفه بمبلغ قد لا يتعدى ألف وخمسمائة ريال للذبيحتين، وهذا شجع الكثير من المستهلكين على التركيزعلى لحم الضأن بدرجة أعلى من استهلاك الأنواع الأخرى من اللحوم، وخلال الأشهر القليلة الماضية ارتفعت أسعارالأغنام بشكل ملحوظ، وبدرجة عالية، فقد بات سعر الخروف الواحد في هذه الأيام يقدر بثلاثة أضعاف سعره قبل سنوات قريبة، ولم يكن هناك تدرج في الزيادة في الأسعار، بل قفزت قفزة كبيرة، ودون مقدمات، أو حتى أسباب منطقية، ومقنعة، ونتيجة للمغالاة في أسعارالأغنام أحجم الكثير من الأفراد عن شراء الأغنام في مناسباته، واتجه إلى شراء صغارالإبل (الحاشي)، أوالعجول، كما بدأ بعضهم في الاختصار في عدد الذبائح التي يقوم بذبحها في مناسباته، وهذا سلوك استهلاكي مرغوب فيه.
وللإجابة عن السؤال التالي: ماذا سيحدث لو توقفنا عن شراء اللحوم؟ نجد أنه من الصعوبة بمكان أن نتوقف عن شراء اللحوم الحمراء على وجه الخصوص بشكل كامل نظرا لأنها أصبحت من متطلبات المائدة اليومية، ولكن قد يكون من الممكن أن نقلل من استهلاكها بشكل يومي من خلال وضع جدول أسبوعي يتم فيه تخصيص وجبة بها لحم أحمر مثل لحم الضأن، وباقي أيام الأسبوع يكون هناك تنوع في الوجبات من بحرية، إلى دجاج، وغيرها من غير اللحوم الحمراء، كذلك عندما يكون هناك اقتصاد في عدد الذبائح التي يتم ذبحها في المناسبات إلى النصف، فهذا يوفرعلى صاحب المناسبة، ويجعل الطلب أقل من العرض، ومن خلاله يتم تخفيض نسبة الإسراف، والتبذير غير المبرر، وعندما يستمرالوضع على هذا الحال لعدة أشهر، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض الطلب على اللحوم الحمراء، وزيادة العرض، وبذلك تنخفض الأسعار إلى مستويات مقبولة، ومقدورعليها؛ لأنه بالأسعارالحالية التي تشهد كل يوم ارتفاعا سيكون هناك الكثيرمن أفراد المجتمع لا يستطيعون شراء اللحم الأحمر خاصة اللحم الضأني، وقد يكون أكل اللحوم عند البعض مقصورا في المناسبات التي يقيمها المقتدرون، أو في عيد الأضحى عندما يتم نحر الأضحية للمقتدرين أيضا.
ما أسباب ارتفاع أسعار الأغنام؟ هذا السؤال نسمعه كثيرا، ويتردد في مجالسنا بين الحين والآخر، وهناك عدة عوامل أسهمت في ارتفاع أسعارالأغنام بشكل كبير، ومن أهمها جشع تجارالمواشي، والعمالة التي تعمل في تسويق هذه المواشي، وعدم اقتناعهم بأرباح يسيرة، بل يطمعون في أن تكون مكاسبهم عالية جدا على حساب المستهلك، كما أن بعض التجار يستغل بعض المواقف المؤقتة التي تحصل بين الحين والآخر مثل ارتفاع أسعارالشعير، والأغذية الحيوانية الأخرى؛ حيث يستغل كثيرمن تجار المواشي ذلك كمبرر لرفع الأسعار بشكل خيالي، ومستمر، وأدى الارتفاع الملحوظ في تكلفة تربية الأغنام إلى عزوف الكثير من الأفراد عن تربية الأغنام، والسبب الآخر يتمثل في قلة الأمطار، وأصبح الاعتماد الكلي في تربية الأغنام على مصادر تغذية مدفوعة الثمن فقط، وليس للرعي من دور في خفض تكاليف تربية الأغنام لعدم وجود المراعي. قد يكون لتقنين استيراد الماشية من الخارج، أو إيقافها لدواع طبية، أو صحية تأثير على أسعار الماشية المحلية حيث إن الاستيراد يخفف الطلب على الأغنام المحلية، وعند توقف الاستيراد تكون هناك زيادة في الطلب على الموشي المحلية مما يسهم في زيادة أسعارها، كذلك السلوك الاستهلاكي غير الواعي لدى كثير من الأفراد يؤدي إلى تزايد الطلب على الذبائح فعندما تكون هناك مناسبة، أو احتفال يتم ذبح عدد من الأغنام يفوق الاحتياج الفعلي، فقد تكون الحاجة لخمس ذبائح في أي مناسبة ويتم ذبح عشر، وهذا فيه إسراف، وتبذير، ويؤدي إلى انخفاض المعروض، وزيادة الطلب، ومن ثم ارتفاع الأسعار.
وارتفاع أسعار اللحوم قد يقلل من الاستهلاك غير المقنن لها، ويؤدي إلى المحافظة على الثروة الحيوانية إلى حد ما، كما قد تكون له جوانب متعلقة بالنواحي الصحية، فقد يؤدي في المستقبل إلى انخفاض نسبة الأمراض المرتبطة بالإسراف في اللحوم الحمراء مثل أمراض الكلى، والنقرس، وغيرها من الأمراض، وقد يكون التغيير في سلوكنا الاستهلاكي من خلال التوجه إلى مصادر غذائية أخرى مثل التنوع في مصادر اللحوم (البقر، والجمال، والأسماك، والدجاج) بدلا من التركيز على لحم الضأن بالدرجة الأولى، ولارتفاع أسعاراللحوم بشكل عام، فائدة أخرى، أو جانب إيجابي آخر هو أن نسبة الإسراف قد تنخفض تدريجيا، كما أن البذخ، والتبذير الذي نشاهده في كثير من مناسباتنا قد ينخفض مع مرورالوقت، ويتكون لدينا سلوك استهلاكي مناسب، وهنا أرى أنه لا بد من تدخل الجهات المعنية عن أسعارالأعلاف، والأغنام، وغيرها من المواشي في مراقبة الأسعار، والحد من الارتفاع غير المبرر لها قبل أن يكون الحصول على اللحم محصورا، أو مقصورا على من يستطيع دفع الأثمان الغالية، والمرتفعة للأغنام، وأما من لا يستطيع فيجب عليه أن يبحث عن مصادرأخرى للبروتين.