-1-

يعتقد بعض المحللين في العالم العربي والإسلامي، أن أحمدي نجاد، أكبر عدو لإسرائيل في المنطقة. وأن هجومه الانفعالي الخطابي من حين لآخر على إسرائيل، بمثابة تمهيد للقضاء على الدولة الصهيونية، في تل أبيب. فمن خلال مطالباته المتكررة بمحو إسرائيل من خارطة العالم، كما كان ينادي أحمد الشُقيري (1908-1980) - مؤسس "منظمة التحرير الفلسطينية" في 1964، وأول رئيس للجنتها التنفيذية - وضرورة إلقاء إسرائيل في البحر؛ يبدو أن نجاد، لم يتعظ من دعوة الشُقيري، وصداها في العالم. ويبدو أنه لم يقرأ تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي إلا لِماماً. ولو قرأ هذا التاريخ بإمعان، وتفهّم، لعلم وأدرك، أن مثل هذه الدعوات المجانية الرومانسية، لا تزيد إسرائيل إلا قوة، وتُقدم لها الدعاية الإعلامية والسياسية الضرورية في أوساط صناعة القرار في أوروبا وأميركا. وهو ما تمَّ بالضبط. فبعد دعوة الشُقيري قامت "حرب الأيام الستة" 1967، وتلقَّت إسرائيل من الدعم المادي والعسكري، ما لم تكن تحلم به، من أوروبا وأميركا، خوفاً من أن يقوم الفلسطينيون بإلقائها في البحر، كما كان ينادي الشُقيري!

-2-

واليوم يُكمل نجاد ما بدأه الشُقيري.

فمرة ينادي نجاد، بضرورة محو إسرائيل من خارطة العالم. ومرة يُنكر نجاد، وجود المحرقة والهولوكوست.

ومرة يتحدى إسرائيل بتسليحه وتمويله للمليشيات الدينية كـ "حزب الله"، وحركة "حماس"، والمليشيات الدينية الإرهابية في العراق واليمن.

ومرة يُغيظ إسرائيل، بتثوير حزب البعث الحاكم في سورية (لاحظوا أن في سورية ديكتاتورية حزبية، وفي إيران ديكتاتورية دينية "ولاية الفقيه"، وهي شأنها شأن الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفيتي سابقاً).

ومرة يُعلن نجاد، عن إطلاق صواريخ الشهاب، والعقاب، والكباب، التي يصل مداها إلى أكثر من ألف كم؛ أي إلى إسرائيل!

وكل هذه التهديدات، تصبُّ في مصلحة إسرائيل، كما كانت تهديدات الشُقيري، وبعد ذلك عبد الناصر وأحمد سعيد، والتي نتج عنها نصر إسرائيل الأعظم في حرب 1967، وضياع ما تبقى من فلسطين، واحتلال سيناء، والجولان. ولو أرادت إسرائيل احتلال كامل العالم العربي في ذلك الوقت، لتحقق لها ذلك، بما كانت تملكه من رصيد عاطفي ومتضامن معها، لدى الرأي العام العالمي، نتيجة لتهديدات الشُقيري وعبد الناصر، التي كانت بمثابة صك الضعف والخوف و(المسكنة) لدى إسرائيل في الرأي العام العالمي، والذي نالت إسرائيل بموجبه كل هذا الدعم الذي أمكنها من انتصار 1967.

-3-

إذن، فإسرائيل تتمنى أن يحذو باقي العرب "الممانعين" حذو "العم نجاد"، ويستضعفوها، لكي تبقى في خوف دائم من جيرانها، ومحيطها، ولكي تتمكن من تلقّي المزيد من المعونات المالية، والدعم العسكري الأميركي على وجه الخصوص. فإسرائيل لا تعيش إلا في أجواء التهديد والخوف. أما السلام فضرره عليها كبير. وهو كالدواء المرِّ الذي تُفضِّل ألا تأخذه، وأن تظلَّ في ألم خوفها الدائم. فالقول، إن إسرائيل أقوى دولة في الشرق الأوسط، لا يناسبها. والقول، إن جيش الدفاع الإسرائيلي جيش قوي لا يُقهر، يضرُّ بمصالحها.

والقول، إن التكنولوجيا والعلوم في إسرائيل تتقدم، بينما ينام العالم العربي في العسل هانئاً، يُحفِّز العالم على محاسبتها حساباً عسيراً.

-4-

كتب بن كاسبيت، المحلل الإسرائيلي البارز، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المستويين السياسي والأمني في الدولة العبرية، في صحيفة (يديعوت أحرنوت) في 13 /6 /2009، على الصفحة الأولى، وبالبنط العريض يقول، إنّ مصدراً سياسياً إسرائيلياً، لم يفصح النقاب عن اسمه، صرَّح بأنّ الدولة العبرية تفضِّل أن يتمَّ انتخاب الرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد، مرة ثانية، زاعماً أنّه - أي نجاد- خدم المصالح الإعلامية لإسرائيل بتصريحاته المتطرفة، ودعوته للقضاء على إسرائيل، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى العمل من أجل إحباط وإفشال البرنامج النووي الإيراني. وقالت الصحيفة إن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً، يعمل في قسم الإعلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكد للصحيفة أنّ نجاد قدّم - من حيث لا يدري - أكبر مساعدة للدولة العبرية، وتمكَّن عبر تصريحاته ضد الدولة العبرية؛ من دفع الأسرة الدولية إلى العمل بإصرار على إفشال البرنامج النووي الإيراني، زاعماً أنّ نجاد هو أبرع وسيلة مارستها إسرائيل، في مجال الدعاية، في العالم.

-5-

أما إسرائيل نفسها، فتتفهم الوضع في إيران الآن على الوجه التالي:

يُعتبر الرئيس الإيراني نجاد، دمية بيد الحكام الحقيقيين، وهم رجال الدين برئاسة علي خامئني. وهناك تقدم في المشروع النووي، وما زال، من دون صلة بهوية الرئيس ومواقفه. لذلك، من الأفضل لإسرائيل، أن يكون الناطق الأبرز لإيران (وهو نجاد) متنكراً للمحرقة النازية، ومهدداً بإزالة إسرائيل، لأن ذلك يُسهِّل على إسرائيل حشد التأييد العالمي للضغط على إيران.

وفي صحيفة "هآرتس"، قال البروفيسور منشاري في 14 /6 /2009: "في الدولة العبرية يرون في انتصار أحمدي نجاد ميزة، في إطار الرغبة في تشديد العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة من قبل الأسرة الدولية على إيران." وقبل إلقاء نتنياهو خطابه في جامعة بار إيلان في تل أبيب، رداً على خطاب أوباما في جامعة القاهرة (4 /6 /2009)، كتب منشاري يقول: إن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، سقطت على رئيس الوزراء الإسرائيلي كثمرة ناضجة جداً، قبيل خطابه في جامعة بار إيلان، إذ إنّ نتنياهو سيشرح للعالم مدى خطورة التهديد النووي الإيراني ليس فقط على إسرائيل وإنما على العالم بأسره. والعالم سيستمع إليه بانتباه كبير. ولو أنّ مير حسين موسوي فاز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، لكان صعباً على نتنياهو إبراز الخطر النووي الإيراني على النحو الذي جرى وسيجري.