وأنا أقرأ كلمات الاستعطاف التي بثتها المديرة العامة لمنظمة "اليونسكو" إيرينا بوكوفا" في بيان حول قرار الولايات المتحدة الأميركية بوقف مساهمتها المالية، لم يكن يدور في ذهني سوى تساؤل واحد "هل يعجز العرب حكومات أو رجال أعمال عن دفع حصة أميركا وإسرائيل في المنظمة الدولية؟ فالأرقام تقول إن إجمالي المبالغ التي قد تفقدها "اليونسكو" في حال امتنعت الولايات المتحدة وإسرائيل عن دفع حصتيهما يقدر بحوالي 72 مليون دولار (70 مليون دولار للولايات المتحدة ومليونا دولار لإسرائيل) حسب بعض الإحصاءات الصادرة في أكثر من وسيلة إعلامية أميركية. فمن الأمور المثيرة والتي تدل دلالة واضحة على تأثير التمويل في رسم سياسات "اليونسكو" أو غيرها من المؤسسات الدولية ما ورد في بيان "بوكوفا" التي من محاولات لدغدغة مشاعر الأميركيين اليهود وبالطبع الإسرائيليين بقضية "المحرقة اليهودية" حيث تقول: (إن اليونسكو هي الوكالة الوحيدة في الأمم المتحدة التي لديها مسؤولية لنشر التعليم عن محرقة اليهود في جميع أنحاء العالم، باستخدام التمويل الذي تمنحه الولايات المتحدة وإسرائيل.. تطور اليونسكو مناهج تعليمية لضمان عدم نسيان محرقة اليهود) ثم محاولة اللعب على وتر الصراع الأميركي الإيراني في قولها (إننا ندافع عن كل صحافي يقتل أو يتعرض للاعتداء، لأننا وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية حرية التعبير. في واشنطن، في وقت سابق من هذا العام، منحت جائزة اليونسكو لحرية الصحافة للصحافي الإيراني السجين أحمد زيد آبادي).

فحسب نظام "اليونسكو" هي تقبل التمويل المادي من الحكومات و قطاع الأعمال بما " لا يتعارض مع رسالتها"، والواقع أن الجملة السابقة قد تكون نظرية أكثر من كونها عملية على أرض الواقع ، والدليل حالة الترويج المبالغ فيها لقضية المحرقة اليهودية التي تعترف بها ـ بل وتفاخر ـ المديرة العامة للمنظمة في بيانها المنشور في معظم وسائل الإعلام الدولية، ومحاولة الضغط بها على الولايات المتحدة للتراجع عن قطع الدعم المالي.

مشكلة رأس المال العربي (الحكومي والخاص) أنه لم يصل بعد إلى قناعة أن أي تغيير سياسي أو اقتصادي يصب في صالح القضايا العربية والإسلامية، لن يتم قبل أن يكون هناك جهد ثقافي وفكري يؤسس له عبر آلاف البرامج والمؤتمرات والإصدارات والمبادرات الإنسانية؛ التي تجعل شعوب العالم تغير نظرتها تجاه القضايا العربية والإسلامية ، فالشعوب في هذه الدول تستطيع الضغط على حكوماتها بشكل كبير في حال اقتنعت بعدالة أي قضية . والحقيقة أن منظمة مثل "اليونسكو" تؤدي دوراً مؤثراً في مختلف دول العالم، وقد تكون أكثر منظمة دولية منصفة إلى حد ما.. فلماذا لا ينظر العرب بجدية لها، ويعطونها ولو فتات مصاريف رحلاتهم "السياحية" في ربوع أوروبا؟