في الحقيقة، أن رمي الجمار الآن أصبح نزهة للحاج، يخرج من مخيمه في منى مصطحباً عائلته مستمتعاً بالسلالم الكهربائية، والأجواء الرائعة، والوجوه الطيبة التي يمر بها، وذلك بفضل الله ـ عز وجل ـ ثم بفضل خادم الحرمين الملك عبدالله، أطال الله عمره في الطاعة، لكن من حج قبل هذه التوسعة لا بد أنه يتذكر كيف كان رمي الجمرات رحلةً الخارج منها مولود، وأنا أحمل منها في ذاكرتي مشهداً ربما كان هو الوحيد الجميل، وهو مشهد حائط بشري في منتصف الطريق للجمرات يعترض الحجيج ويقسمهم إلى قسمين، منظماً دخولهم المندفع، وحامياً الرماة خلفه بطريقة تثير إعجابك وشكرك أيضاً، كان هذا الحائط يصنعه طلاب الكليات العسكرية.
وليس هذا فقط ما يقوم به شباب الكليات العسكرية، والكشافة، وجنود الحرس الوطني، والقوات المسلحة، والداخلية، وكافة موظفي الدولة العاملين في الحج، فهناك آلاف التفصيلات التنظيمية التي يؤدونها بنجاح وكفاءة تشعر معها بالفخر وأنت تراها بعينيك، وتلمسها بحواسك، وتشعر بها بقلبك، إن كنت حاجاً، أو كنت متابعاً لإعجاب ودهشة العالم من هؤلاء الذين استطاعوا أن يديروا حركة تنقل وإسكان ومعيشة مليوني حاج أو أكثر، في بقعة صغيرة نسبياً في أيام قليلة، مضيفين عليها لمستهم الإنسانية، التي تجعل مشاهد حمل الحجاج العاجزين أو تهويتهم أو إطعامهم تنتقل عبر اليوتيوب وتويتر والفيس بوك، لترى آلاف التعليقات ليس أميزها وصف بلادنا بأنها "مملكة الرجال فعلاً".
إن الحج وما يحدث فيه هو أصدق اختبار رجولة يدخله شبابنا، وتوضح نتيجته كم هم رائعون ومميزون وقادرون على إحداث الفرق، مما يجعلك تتألم مما يُنقل عنهم من صور مغلوطة يعرضها الإعلام عبر مسلسلاته وتمثيلياته، أو الأدب في رواياته، حتى تظن معها أن شبابنا يقفون في الطابور ليحصلوا على رقم فنانة، أو أنهم حمقى ومتخلفون عقلياً، أو لا يفكرون إلا في شهوتهم الجسدية والترقيم.. إلخ.
قد يقول أحدهم: إن ذلك موجود، فلم ننكره؟ ليُرد عليه بالقول: إذا كان موجوداً فلم ننشره؟
والحقيقة أن كل مجتمع فيه السلبيات والإيجابيات، لكن علماء النفس والتربية ـ وقبلهم الإسلام رسالة الله الأخيرة للبشرية ـ يؤكدون أهمية عدم تداول المواقف والتصرفات السلبية حتى لا يعتاد الناس وجودها، وقد يتعاملون معها كطرفة ويصبح مرتكبها مصدر إضحاك، ومن ثَم تصبح عرفاً لديهم، لذا إذا تم الحديث عنها فليكن ذلك في الخفاء، ومن قِبَل المتخصصين ومن يملكون الدواء والقرار لحلها.
أما الصورة الإيجابية فهي ما يجب أن يعمم وينشر ليقتدي بها الشباب، وتزداد الثقة فيهم وفيما يقدمونه، ولا شك في أن أفعالهم في الحج خير دليل على ذلك، وهي فرصة لالتقاط تلك المواقف وعرضها في التلفزيون ليراها القاصي والداني، فيفرح بها المحب لنا، ونغيظ بها المتربصين ببلادنا، فمثل تلك الأمور لها تأثيرها على المجتمع وعلى أعدائه، وربما يعرف بعضكم الحكمة من الرَّمَل "المشي السريع" في الطواف، أو العلة في كشف المحرم ليده اليمنى، إن كل ذلك إنما هو لإظهار قوة المسلمين أمام كفار مكة في زمن النبي، ولا شك أن عرضنا لما هو عليه شبابنا من كفاءة وقدرة مع إنسانيتهم سيكون أبلغ رسالة توجه للجميع، أصدقاء وأعداء، على ما لدينا من شباب هم ثروة لهذا الوطن، وبخاصة أنهم يمثلون 70% من شعب المملكة العربية السعودية.