في جازان ككل الوطن، كان المشهد مهيباً، فلم يبق شابٌ في عمر الزهور، ولا شيخ في عنفوان الوقار، ولا مسؤول في أعلى درجات المسؤولية، ولا غير مسؤول في أعلى سُلّم الوطنية إلا جاء إلى قصر إمارة المنطقة يقدم البيعة بين يدي سمو الأمير محمد بن ناصر، لسمو ولي العهد الأمير نايف، لتستمر مسيرة النماء والتطور والإصلاح في هذا البلد الآمن، مثمنين قرار خادم الحرمين الشريفين، الذي ما فتئ يتفانى من أجل مصلحة الوطن والمواطن، مستعيناً بالله، ثم بإخوته الأبرار، الذين أعلنوا تأييدهم ومبايعتهم أخاهم رجل الدولة الفذ، ليكون عضداً لأخيه في قيادة دفة هذا الوطن الكبير، ولا غرو وقد تخرجوا جميعاً من مدرسة مؤسس وحدة كياننا العظيم، الملك عبدالعزيز آل سعود، يرحمه الله.

دعوني أرو لكم مشهدين: ذات يوم، زار سمو الأمير نايف منطقة جازان، ولم يكن بها بعد مكاناً لعقد الاجتماعات والمؤتمرات كما هي عليه اليوم، فتم استقباله في مظلة ساحة مدرسة أبوعريش الابتدائية، حيث المكان الوحيد المناسب في المدينة، إذ كانت بقية الدور عبارة عن عشش، وكنت وقتذاك شاباً صغيراً شرفني المسؤولون باختيارهم لي للسلام على سموه، وتقديم الماء له أثناء الاحتفاء به. وبعد عدة سنوات قابلت سموه في الرياض في مناسبة أقامها الدفاع المدني، وكنت طالباً في الجامعة، وأعمل في صحيفة الرياض، فتشرفت بطرح سؤالٍ على سموه، فبادرني بقوله وهو يتبسم: "كيف حال أهلنا في جازان؟" فأعجبت بفراسته وذاكرته وتواضعه ورقته ولطفه في الحديث.. قلت له: يحبونك ويسلمون عليك.

هذا الفِعلُ الكريم تكرر مع "سلطان الخير"-رحمه الله-، حينما تشرفت بلقائه في ديوان سموه قبل بضع سنوات ـ وقد تقدم بي السن ـ ولم يكن يعرف من أكون، ولا مِن أين أتيت، ولا ماذا أريد؛ وعندما تقدمت إليه بطلبٍ لأسرة تحتاج مساعدته في أمر يخصها، قال لي: "اكتب في الورقة عنوانهم، وقل لهم يبشروا بالخير.. من أي منطقة هم؟" قلت: من جازان، فرد باسماً باشاً: "سَلِّم على أهلنا في جازان كلهم.. ولو أحد غير هذه الأسرة أرسلك إليّ، فلا تتردد ولا تتحرج".

ما أنبل هذا الخلق، وأكرم هذه النفوس، وأعظم هؤلاء الرجال! هؤلاء هم حكامنا الذين بايعناهم بالأمس ونبايعهم اليوم ونبايعهم غداً.