ولأننا على مقربة من نهاية العام الدراسي، فإنه من المفيد تسليط بعض الضوء على جانب مهم من جوانب العملية التعليمية الجامعية والتي غالبا ما تكون منسية بسبب ازدحام الأعمال في جامعاتنا. هذا الجانب هو علاقة الطالب بأستاذه الجامعي والتي غالبا ما يشوبها الكثير من الجدل والتي نادرا ما نتصدى لها بالتحليل آخذين في الاعتبار حقوق طرفي المعادلة – الطالب والأستاذ. من خلال ممارستي ومشاهداتي الشخصية الطويلة نسبيا يمكنني القول بأننا في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لترميم جوانب هذه العلاقة من خلال الفهم المتعمق لما يهدف إليه الأستاذ والطالب. ما يؤكد حاجتنا إلى ذلك هو أن أي حديث جانبي مع الطلبة عن أوضاعهم الدراسية لا بد أن يتطرق إلى حالات دكتاتورية ومزاجية وتعسف بعض أعضاء هيئة التدريس في تدريس المنهج، ناهيك عن تدخل المجاملة وعدم العدالة والإنصاف في كثير من الأحيان في تقييم الطلاب.

ولأننا لا نستطيع أن ننفي وجود مثل هذه الحالات ، لأن كلا من الطالب والأستاذ بشر يصيب ويخطىء، فإنه يجدر بنا أن نبتكر آلية تقويم جديدة توضح لكل من الطالب والأستاذ نقاط القوة والضعف في كل منهما، لأن الغياب الفعلي لهذه الآلية طوال السنوات الماضية قد أسهم (مع عوامل جديدة) في إفراز الكثير من السلبيات التي تعيشها اليوم أوساطنا الجامعية. من أمثلة السلبيات التي نعيشها اليوم إحجام الكثير من الطلاب عن المشاركة الفاعلة في الفصل الدراسي والاكتفاء بالحضور وهز الرأس كدلالة على فهم واستيعاب المحاضرة. هزة الرأس هذه تنقلب إلى حالة من الحرج والقلق لدى الكثير من الطلاب عندما يطرح الأستاذ أي سؤال شفهي. طالب اليوم مشتت بين قاعات المحاضرات من محاضرة لأخرى مطالب بعدم تجاوز نصاب الحضور حتى لا يحرم من دخول الامتحان النهائي. الطالب يشكو في كثير من الأحيان من عدم قدرته على تسجيل المواد التي يريدها – وهذه المشكلة تثير قلقا بالغا لدى أغلب الأساتذة. رغبة الطالب هذه لا يستشف منها حرص الطالب على الاستزادة من العلم أو الاستفادة من خبرة أستاذ معين بقدر ما هي طريق مختصر لاصطياد أستاذ تعود على إعطاء تقييم عال لكل الطلاب. الطالب الجامعي يصنف الأساتذة حسب تقييمه للطالب. في نظره أن هناك أساتذة يتسمون بالصرامة الشديدة ويعطي واحدهم الدرجات بـ"القطارة"، وهذا يبتعد عنه أغلبية الطلاب. هناك أيضا أساتذة عادلون ومنصفون لا يمانع الطلاب التسجيل عندهم، لكن هناك فئة من الأساتذة تعودت إعطاء تقديرات عالية لأغلبية الطلاب ومعظم الطلاب يتزاحمون عليهم.

النظام الجامعي الحالي يتيح للطلاب اختيار شعبة دراسية بعينها لأستاذ محدد، لكنهم يرون أن الشعب التي يرغبونها تمتلىء بسرعة مما قد يضعهم في شعبة أستاذ صارم جدا يضعهم في خانة لا يحسدون عليها حيث لا يستطيعون الحصول على تقديرات عالية ويحرمهم من فرص مستقبلية كالتوظيف أو الابتعاث إلى الخارج. هذا الوضع خلق حساسية كبيرة بين الطالب من جهة وبين الأستاذ من جهة أخرى، لأن الأخير لا يرغب أن يوصم بالتساهل ، لأن ذلك يجعل البقية من الأساتذة ينظرون إليه بانتقاص مما يدفعه غالبا للتشدد في الحضور والغياب وتصعيب الامتحانات وتشديد قبضته على الطالب. الطالب إذن، في النهاية، ضحية مجمل هذ البيئة التي لا تدفعه للدراسة بل إلى اتباع أساليب الفهلوة والانتهازية مع الأساتذة، فبدلا من أن تصرف الجهود نحو تحسين العملية التعليمية وتخريج طلاب أفضل تضيع جهود الطالب والأستاذ معا في الدوران في حلقة عجيبة، الخاسر الأكبر فيها هو الطالب الذي عمل طوال السنين في الجامعة لاصطياد وثيقة التخرج وهو متواضع القدرات والمهارات.

الدكتور عبدالقادر الفنتوخ من جامعة الملك سعود أشار إلى دراسة أجريت في إحدى كليات جامعة الملك سعود حول العلاقة بين الطالب والأستاذ وأوضح التالي "كانت نتيجة استفتاء الطلبة بشأن هذه العلاقة مُخيبة للآمال، فقد وصلت نسبة من قالوا إنها عموماً "سيئة" إلى حوالي "60 بالمئة"، ومن قالوا إنها "مُمتازة" أقل من "10 بالمئة".

جامعاتنا كلها تشترك تقريبا في نفس الخصائص والظروف، ومن المهم جدا في هذه المرحلة أن نتحرى تحسين العلاقة من خلال تبيان نقاط القوة والضعف في الأستاذ الجامعي قبل الطالب. كثيرون من الأساتذة لا يعرفون حقيقتهم أو لا يدركونها، لأنه ما من أحد قد أوصل إليهم ذلك، وفي ظل غياب وسائل التقييم يظن كل واحد منهم أنه على حق في أساليبه وطرق تدريسه.