اليوم يومُ عرفة.. قرابة ثلاثةِ ملايين حاجٍ يقفون اليوم على صعيد عرفات.. إلهٌ واحد، ونبيٌ واحد، ودينٌ واحد، وكتابٌ واحد، ومكانٌ واحد، وزمانٌ واحد، وزيٌ واحد، ونداءٌ واحد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".. الجميع يبتهلون إلى ربهم وخالقهم، ويشكرونه سبحانه وتعالى بما هو له أهل على إعتاقه لهم من النار، وعلى مباهاته بهم أهل السماء.. بحقيقةٍ وبصدق لم أجد الكلمات المناسبة التي يمكن أن أصف بها عرفة وعرفات، أو أن أصف بها حقيقة مشاعر حجاج وضيوف بيت الله الحرام؛ والحمد لله أن أسعفتني ذاكرتي بالفقيه واللغوي المعروف، وأحد أبرز علماء مكة المكرمة المرموقين؛ فضيلة السيد محمد بن أمين كتبي (1327 ـ 1404 ـ رحمه الله تعالى)، الذي نظم في مناسبة الحج عدةَ قصائد رائعة؛ منها قصيدته الترحيبية البديعة التي يصف فيها الرحلةَ الممتعة إلى الحج، يقول في أبياتها:
يا مرحباً بالزائرين
ونور رب العالمين
حجاجِ بيته الأمين
من شرقها والمغربِ
يا مرحباً بالأصفيا
الأوليـاءِ الأتقيا
الحنفاءِ الأرضيا
في مشرب ومذهبِ
(ثم يقول)
طوبى لأهلِ الموقف
في عرفاتِ الموقفِ
فبالقبول الأشرف
وفي المَحل الأطيبِ..
ومما يهتز له القلب، وتطرب له الأذن قصيدة السيد الكتبي: "يا لعبد طاف في السَّحرِ حول بيت الله والحَجرِ"، وفيها يصف تحرك الحاج إلى صعيد عرفات قائلاً:
ثم لبىَّ واشرأبَّ إلى
عرفاتٍ غيرَ ذي أشرِ
فرأى من حسنها عجباً
من قضاء الله والقدرِ
ملأ الحجاج ساحتَها
بوجوه سمحةٍ غُررِ
والتقوْا من كل ناحيةٍ
عِبرةٌ من أعظم العبرِ
شربوا من مائها غَدَقاً
واستقوْا صفواً بلا كدرِ
ذاكرين اليومَ تمَّ لكم
دينُكم في أروع الصورِ..
وفي موضع آخر يذكر السيد الأمين في قصيدته (سعد السعود) غبطته الحجاج على توفيق الله لهم، في صورة حسية جميلة.. يقول:
يا لقومٍ وقفوا في عرفةْ
أكملوا الدينَ وفي مزدلفةْ
بقلوب برِّةٍ مؤتلفةْ
في سناءٍ وبهاءٍ ووئامْ
ثم نالوا في مِنىً كلَّ المُنى
ثم راحوا زُمَراً للمنحنى
يُنشد الحادي لهم: بشرى لنا
إننا فُزنا بغفران الأَثَام..
دعاءٌ بحجم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ومسلمة، بقبول المولى سبحانه حج الحجيج، وصوم الصوَّام من غيرهم، وأمنياتٌ بدوام توفيق الله تعالى، وعونه لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وكافة المعنيين بأمر الحج لإنجاح خطط موسم الحج المبارك:
اللهم هذا يوم عرفة، يومٌ شرفته، وكرمته، وعظمته، ونشرت فيه رحمتك، ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت به على عبادك.. اللهم يا رفيع الدرجات، ويا منزل البركات، ويا فاطر الأرضين والسموات، ضجت إليك الأصوات، بأصناف اللغات، تسألك الحاجات، وحاجتنا أن لا تنسانا في دار البِلى إذا نسينا أهل الدنيا.. اللهم إليك خرجنا، وبفنائك أنخنا، وإياك أمَّلنا، وما عندك طلبنا، ولإحسانك تعرضنـا، ورحمتك رجونا، ومن عذابك أشفقنا، ولبيتك الحرام حججنا.. اللهم إنك جعـلت لكل ضيفٍ قـِرى، ونحن أضيافُك، فاجعل قـِرانا منك الجنة، اللهم إن لكل وفدٍ جائزة، ولكل زائرٍ كرامة، ولكل سائلٍ عطية، ولكل راجٍ ثوابا، ولكل ملتمسٍ لما عندك جزاء، ولكل مسترحمٍ لما عندك رحمة، ولكل راغبٍ إليك زلفى، وقد وفد ضيوفُك إلى بيتك الحرام، ووقفوا بهذه المشاعر العظام، وشاهدوا هذه المشاهد الكرام، رجاءً لما عندك، فلا تخيب رجاءهم، واقبلنا وإياهم.