يوم عظيم في أرض مقدسة تجمع ملايين المسلمين من جميع بقاع العالم، لا فرق بين غني وفقير، وبين متعلم وجاهل، ورئيس ومرؤوسيه، لا فرق بين عربي و أعجمي ولا فرق بين كبير وصغير، جميعهم أمام الله سواسية بلباس الإحرام الأبيض، لا ذهب فيه ولا فضة، الجميع يرفع يده طالباً العفو والمغفرة، راجياً الرحمة من الله عز وجل فقط لا غيره، ولا يملك الرحمة والغفران إلا الله عز وجل.

قدموا جميعاً لأداء فريضة الركن الخامس من أركان الإسلام الذي لا تكتمل أركان الإسلام إلا به، ولا يمكن أن يكون الحج إلا في هذه البقاع في المشاعر المقدسة وفي مكة المكرمة العاصمة الإسلامية في المملكة العربية السعودية.

حوالي الثلاثة ملايين حاج قدم نصفهم من خارج المملكة، والباقي من المقيمين والمواطنين داخل المملكة، يجتمعون بإذن الله هذا اليوم في بقعة صغيرة في مشعر عرفات المحدد المسافة، إلا أن رحمة الله عليهم تجعل هذا المشعر والمشاعر الأخرى مزدلفة ومنى تسع هذه الملايين القادمة لتلبي إلى خالقها الله سبحانه وتعالى.

إن من فضل الله على عباده أن يسخر لهم من يرعاهم ويخدمهم، ويسهل لهم القيام بفرائضهم، وإكمال أركان دينهم، وأكبر دليل على ذلك هو توفيق الله عز وجل للدولة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير نايف وبقية المسئوولين وزراء وموظفين مدنين وعسكريين للقيام على خدمة حجاج بيت الله القادمين من خارج المملكة ومن داخلها.

الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة السعودية تجاه حجاج بيت الله لا يمكن حصرها أو تقدير قيمتها، وهي مسئوولية أخذتها الأسرة الحاكمة في المملكة منذ بداية تأسيس الدولة السعودية، وتطورت خدمات الحجيج خلال الحكم السعودي حتى وصلت إلى مستوى متقدم جداً، حيث لم يعد الحاج يعاني تلك المعاناة التي كان يواجهها قبل خمسين أو مائة عام، فالحج كان سفراً يتجاوز الستة أشهر أحياناً، ويودع الحاج أهله وداع مسافر دون عودة، نظراً لصعوبة أداء الحج ومعاناة الحجاج، ابتداء من وسائل النقل البدائية ومعاناة الحجاج من أمن وسلامة الطرق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث كان الحجاج يعانون من قطاع الطرق وحرامية الليل، وهذه كانت إحدى العقبات التي تصدى لها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مؤسس هذه الدولة، فبسط الأمن في البلاد وفرض حماية حجاج بيت الله في حلهم وترحالهم، فكان الأمن للحجاج منذ ذلك التاريخ.

وتطورت خدمات الدولة السعودية للحجاج، فكانت توسعة الحرمين الشريفين لرفع الطاقة الاستيعابية للحرمين، وطورت الطرق السريعة بين المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وطورت المشاعر المقدسة لزيادة الطاقة الاستيعابية، ووفرت المساكن الخاصة والمطورة للحجاج في مشعر منى، وقامت بتوسعة مساحات الحرم المكي وتطوير العشوائيات، لزيادة الطاقة الاستيعابية للإسكان، وتسهيلاً لحركة حجاج بيت الله بين المشاعر تم إنشاء قطار المشاعر، والذي سيعمل هذا العام بكامل طاقته الاستيعابية ليسهل على حجاج بيت الله حركتهم بين المشاعر، والتي كانت إحدى أكبر العقبات التي تواجه الحجاج.

ولتسهيل حركة الحجاج والمعتمرين بدأت الحكومة السعودية تنفيذ مشروع قطار الحرمين، وهو أحد الإنجازات العظيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي سيرفع المعاناة عن المسلمين في سفرهم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والتي كانت وما زالت معاناة كبيرة جداً، وسوف يرفع هذا المشروع معاناة كبار السن والأطفال والنساء والمرضى من المسلمين حجاجا ومعتمرين.

أما في مجال خدمة حجاج بيت الله الصحية فالرعاية الصحية تضاعفت في جميع محطات الحجيج من بداية المنافذ البرية والجوية والبحرية إلى المدن المقدسة والمشاعر المقدسة، وسخرت جميع الإمكانات المادية والبشرية والتقنية والآلية لخدمة الحجاج الصحية.

وفي مجال الأمن سخّرت الدولة عشرات الآلاف من رجال الأمن من جميع المجالات العسكرية والأمنية لحماية أمن الحجاج، وخدمة الحجيج على مدار الساعة، وسخرت الطائرات الخاصة بإنقاذ الحجاج المرضى من حوادث الحرائق ومتابعة حركة سير الحجاج من مكة المكرمة إلى المشاعر والعودة إلى مكة.

وفي مجال خدمات النظافة والحماية البيئية فإن وزارة البلديات قد وضعت كافة أجهزتها لنظافة المشاعر المقدسة ومكة المكرمة، وهي مهمة ضخمة جداً لتجميع نفايات ثلاثة ملايين حاج في فترة زمنية قصيرة جداً، أما الخدمات المقدمة من مؤسسات الطوافة فقد تطورت إلى مستوى رفيع ومنافس لشركات السياحة العالمية، مع اختلاف نوعية العملاء، فأصبحت خدمة الحجاج من خلال مؤسسات الطوافة تمثل صورة مشرفة لخدمة الحجاج، ابتداء من استقبالهم من خلال الوكلاء في مدينة جدة والأدلاء في المدينة المنورة ومؤسسات الطوافة في مكة المكرمة التي ترعى الحجيج في إسكانهم وإعاشتهم وتنقلاتهم حتى عودتهم إلى بلادهم.

إن مهمة خدمة حجاج بيت الله تحظى بأولوية قصوى في إدارة الحكم السعودي، ويحرص ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز على متابعة خطوات وأمن وسلامة الحجيج بنفسه، ويتولى مسؤولية الحجاج والمعتمرين بصفة مباشرة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، والذي استطاع خلال فترة إمارته أن يرفع من مستوى الخدمات المقدمة للحجاج وأن يرفع من مستوى أداء المسؤولين القائمين على خدمة الحجاج.

إن خدمة حجاج بيت الله هي مهمة عظيمة تستنفر فيها الحكومة السعودية جميع أجهزتها ورجالها، وتنفق عليها البلايين لتقدم خدمات مجانية لحجاج بيت الله منطلقة من دورها كمركز للعالم الإسلامي، ويفخر شعبها بتسمية مليكها خادماً للحرمين الشريفين.

إن هذا العمل العظيم في هذا اليوم العظيم يدفعنا جميعاً حجاج بيت الله إلى الدعوة إلى التآخي والمحبة والعمل على نبذ خلافاتنا، وتوحيد جهودنا لخدمة الإسلام والمسلمين، والعمل على حماية ركن الإسلام (الحج) من إثارة الفتن، ومضايقة المسلمين بأعمال لا تمت للإسلام والحج والحجاج بأي صلة أو رابطة، داعين للدولة السعودية بالأمن والأمان، وأن يحفظ لها حكامها ويحفظ لهم شعبهم من كل شر، فدولة مثل هذه الدولة تقدم هذه الخدمات لحجاج ومعتمري بيت الله جديرة بالشكر والتقدير.