زواج القاصرات قد عاد للواجهة من جديد. وهذه المرة، من قرية "فياضة" بمحافظة النبهانية في منطقة القصيم، التي ذكرت صحيفة الحياة، أنها تحتفظ باسمي القاصرتين، حيث تنتظر القرية الاحتفال بزواجهما أثناء عطلة عيد الأضحى. والقاصرتان، كما ذكرت الصحيفة، تدرسان في الصفين الثالث والرابع الابتدائيين. وأشارت الصحيفة إلى أن هيئة حقوق الإنسان سارعت في التدخل لمنع هاتين الزيجتين. حيث أشار مسؤول العلاقات والإعلام في الهيئة محمد المعدي، إلى رفع بلاغ للهيئة عن القضية من قبل ناشطات حقوقيات في المنطقة، عن قرب زواج الطفلتين. وكما أشار الأستاذ المعدي، إلى أن الهيئة رصدت خبراً عن الطفلتين عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".

وقد ذكرت الصحيفة أن رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان، أصدر توجيهات لتقصي الخبر، لتجري مخاطبة وزارة العدل، لاتخاذ الإجراء المناسب، لإيقاف هذا الزواج الذي ينتهك حق الطفولة. وحث المعدي على ضرورة تكاتف المجتمع للتصدي لمثل هذه الحالات، التي ذكر أنها فردية، لحصول المجتمع على رعاية أسرية آمنة ومستقرة. حيث نوه المعدي، في تصريحه للصحيفة، بالدور الكبير الذي تبذله مختلف وسائل الإعلام للوقوف ضد أي انتهاك لحقوق الأطفال عبر التوعية بخطرها. وعلقت الصحيفة بأن السعودية سجلت حالات عدة لتزويج فتيات قاصرات، أثارت استياء وجدلاً واسعين، ومنها طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً، تم تزويجها لرجل عجوز قد تجاوز الثمانين سنة، وبمهر قدره خمسة وثمانون ألف ريال.

وقد أوردت صحيفة الرياض، تصريحاً لرئيس مركز فياضة، سنيد بن سند المظيبري، نفى فيه صحة ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن تزويج فتاتين "قاصرتين" تدرسان في الصف الثالث والرابع الابتدائيين، بفياضة. وقال المظيبري، لصحيفة الرياض: إن الفتاتين (عتقاء وريميه) تبلغان من العمر 14و15 عاما وليس 8 و9 سنوات كما تداولته بعض الوسائل الإعلامية، مشيرا إلى أن الفتاتين ووفقا للعرف القبلي المتبع لدى بعض القبائل عقد عليهما بعقدين شرعيين قبل عامين، ولكن لم يدخل بهما ولم يحدد موعد للاحتفال بزفافهما. وقد أوضح أن هناك توجها لإقامة دعوى ضد من تداول (إعلاميا) هذه المعلومات غير الدقيقة التي أساءت للفتاتين وللمركز.

أسفي للإسهاب في إيراد تفاصيل قضية الطفلتين؛ وذلك لكون تفاصيل قضيتهما لا تدمي القلب فقط ولكن تؤلم الروح، لمن له روح، ويعي بأن الفتاة أمانة من قدرها حق قدرها، صارت له حجابا من النار، كما بشر بذلك رسول الهدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين.

ونحن لا نطالب أحدا بتفجير عبقريته ليسن لنا قانونا يدين وينزل العقاب بمن يسهم في جريمة تزويج القاصرات، فالقانون والنظام والعقاب الرادع موجودة؛ ولكن تحتاج إلى إرادة جادة لتفعيلها وتطبيقها. فالمملكة العربية السعودية قد وقعت على اتفاقية حقوق الطفل وحمايته الدولية؛ التي تعتبر سن الطفولة ما دون سن الثامنة عشرة. ومن المعروف أن أي دولة توقع على اتفاقية دولية أو إقليمية، تعتبر بنودها "أوتوماتيكياً"، جزءا من نظام وقانون الدولة الداخلي، وهي مطالبة بتطبيقه، وفي حال وجود نظام وقانون قبلها يعارضها فهي تلغيه، وتحل مكانه كجزء من التشريع الرسمي؛ إلا في حال البنود التي تتحفظ عليها المملكة من الاتفاقية. ولم تتحفظ المملكة على عدم تزويج الأطفال، كما لم تتحفظ على تحديد سن الطفولة الـ (18).

كما أننا اكتشفنا في قضايا زواجات القاصرات السابقة، أن المهر المغري الذي دفع أو وُعد به ذوي القاصرة، بدفعه لهم، كان الدافع لتزويجهن. وهذا يدخل في جرم الاتجار بالبشر، وقد وقعت المملكة على المعاهدة الدولية لتجريم الاتجار بالبشر. وعلى هذا أصبح تجريم تزويج القاصرات بسبب المهور العالية، الذي يدخل ضمن المتاجرة بالبشر، جزءا من تشريعنا المحلي، الذي ينتظر من الوزارات والمؤسسات التنفيذية تطبيقه على أرض الواقع. إذاً فليست العلة في غياب القانون، حيث يوجد أكثر من قانون، يحرم ويجرم تزويج القاصرات، وهو موجود كتشريع، وقعت عليه السلطة التشريعية؛ ولكن غياب إرادة تفعيله من قبل الوزارات والمؤسسات التنفيذية، هو الذي أدخل الدولة والمجتمع في بلبلة، ليسوا في حاجة لها؛ خصوصاً في هذا الزمن الذي اختلط فيه الشأن الداخلي بالدولي.

وجزء من الكارثة هنا يكمن في تصريح رئيس مركز الفياضة، الأستاذ المظيبري، عندما قال إن عمر الفتاتين، 14 و15 وليس 8 و9، وإنه تم عقد القران عليهما قبل سنتين. وأعتقد من خلال تصريحه هذا، بأنه لا يستوعب كارثية المسألة، حيث أثبت ما يريد نفيه، وبنيته مقاضاة وسائل الإعلام عليه. ولم يستوعب حتى الآن بأنه موظف دولة، من المفروض عليه أن يطبق أنظمتها، لا عرفه القبلي، الذي برر الجرم المرتكب بحق الطفلتين، بسببه.

قد نتفهم تبسيط رئيس المركز للكارثة الإنسانية التي ستحل بالطفلتين، ولكن لا نبرئه، والذي نفهمه، هو تعليق مسؤول العلاقات والإعلام في هيئة حقوق الإنسان، الأستاذ المعدي، حيث ذكر ضمن تصريحه لصحيفة الحياة، أنه يجب التصدي لمثل هذه الحالات الفردية. وسؤالي له، إذا كان زواج القاصرات، الذي يتفجر في وجوهنا ليبصق على كراماتنا ويتحدى مشاعرنا وإنسانيتنا، بين وقت وآخر ومن منطقة لأخرى، هو حالات فردية فلماذا إذاً حماسك الزائد، في شكر وسائل الإعلام ومطالبتك كل فئات المجتمع ومؤسساته لتتكاتف لنشر الوعي بخطورة زواج القاصرات؟ ولماذا لا تعترف هيئة حقوق الإنسان، بأن زواج القاصرات، إن لم يكن ظاهرة فهو في طريقه ليكون كذلك، وليس حالة فردية كما يدعي مسؤولهم الإعلامي؟ حتى تتصدى لها بالقوة المطلوبة لمثل هذه الظاهرة البشعة، التي تذهب ضحيتها فلذات أكبادنا من الصغيرات. هل تنتظر الهيئة وباقي وزارات ومؤسسات الدولة، ليعقد زواج قاصرات جماعي في استاد رياضي، حتى يعترفوا بأنها ظاهرة بشعة ترتكب ضد صغيراتنا، وتشوه مجتمعنا بكامله وديننا برمته، حتى تتصدى لها بكل حزم وقوة.

الكارثة الأكبر هي عدم تفعيل الجهات المسؤولة، قوانين وتشريعات الدولة الصادرة من المؤسسة التشريعية؛ التي من واجبها تنفيذها على الأرض، لا مناقشتها، والبحث عن حلول لها؛ حيث هذا ليس من مهامها، كسلطة تنفيذية.

إن القضاء على ما نتفق عليه، ويتفق عليه من حولنا، من مشاكل، لم يعد بالأمر العسير؛ فالمهم، هو أن تتوفر لدينا الإرادة الصادقة، وليس المزيفة، أو المجاملة أو المضللة. فالمسألة مسألة إرادة جادة؛ فإن توافرت الإرادة الجادة فهنالك للحل، ألف جادة وجادة.

في الختام، لا بد فعلاً من شكر الإعلام، وشكر الناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان؛ وخاصة فتيات القصيم اللواتي، فجرن قضية الطفلتين، وأوصلنها للإعلام، وكذلك تمريرها لمن يهمه ولمن لا يهمه الأمر عبر شبكة التواصل "تويتر". فمن خلال التويتر، والإعلام العضوي الفعال؛ أصبح كل منا، ليس وحده، وسواء كان في وسط مدينة كبيرة، أو وسط هجرة صغيرة، فحق لنا أن نقول ابتسمي يا أختي ابتسم يا أخي، فلم تعد وحدك، في أي مكان كنت، كما في السابق كنت.