بعد أحداث 11 سبتمبر في أميركا وسقوط حكومة طالبان وحلفائها القاعدة في أفغانستان، وبعد سقوط حكومة البعث في العراق؛ دخلت إيران العصر الذهبي ـ إن صحت التسمية ـ من تاريخ ثورتها، حيث سقط أهم أعدائها التقليديين، وفي المقابل توسع نفوذها في المنطقة، خاصة مع اشتداد حركات المقاومة للغزو الأميركي في ذينِك البلدين وانشغال الأميركان بتلك المقاومة عن إيران.

استمر هذا العصر الذهبي، وحققت إيران العديد من الإنجازات في الحقيقة، وأخذت تسارع الخطى نحو إنجاز المخطط النووي الإيراني، واستغلال الفرصة التاريخية لانشغال أميركا. ولكن مع هذه الظروف، أخذ الغرور الإيراني يتنامى بشكل فوضوي، خاصة بعد نجاح حزب الله الذي يعتبر أحد أهم أذرع إيران في المنطقة العربية في تجاوز حرب إسرائيل الأخيرة، وبعد نجاحه أيضاً في احتلال بيروت بشكل مفاجئ! وكثيراً ما يتبع مثل هذه النتائج الغرورُ، كما هو يحدث غالباً في مثل هذه الظروف السريعة، وخاصة في تاريخ الحركات الآيديولوجية، وقد أشرت إلى هذا في مقال سابق فيما يخص إسرائيل وغرورها، وكيف أن الغرور غالباً ما يؤدي إلى أخطاء قد ترجع على صاحبها بالدمار! وفي اعتقادي أن هذا العصر الذهبي الإيراني بدأ بالتراجع بعد اشتداد الأزمة مع الحركة الإصلاحية داخل إيران وما تلاها من أحداث إن صح هذا التأريخ.

المتابع للمشهد الإيراني يجد أن هناك انقسامات حادة حتى داخل المؤسسة الحاكمة، مثل ما حصل من اختلاف بين الرئيس والمرشد مؤخراً، وكذا ما حصل مع رفسنجاني وغيره من رموز وقادة الثورة التاريخيين! كما امتد الانقسام إلى داخل المؤسسات الدينية وبين المراجع الشيعية، بين مؤيد متشدد للمرشد ومعارض له. هذه الانقسامات الحادة سيكون لها ولا بد آثارها السلبية على النظام الإيراني في المستقبل، حيث يعززها استخدام النظام اسم الدين في محاربة جميع أعدائه حتى ولو كانوا من المراجع المعتبرة لدى الشيعة! مما يُعمّق المشكلة ويسد قنوات الحوار والبحث عن حلول. وبنظري أن من أهم نقاط الضعف للحركات الآيديولوجية السياسية (مثل النظام الإيراني) هي ربط السياسة بالآيديولوجيا وإضفاء القدسية على بعض الآراء السياسية، مما يجعل عازلاً مانعاً بينها وبين العقل والتفكير العقلاني.

إن إيران حينما بدأت بالتشدد وأخذت ترفع الراية الطائفية بدلاً من الإسلام الشمولي خسرت خسارة كبيرة في الداخل والخارج، وفقدت الكثير من المؤيدين الذين كانوا مخدوعين بالشعارات الرنّانة التي كانت ترفعها إيران في السابق! ولكن بعد تسارع الأحداث في العراق ولبنان وبعض الدول العربية التي كان الدور الإيراني واضحا فيها، وانتهاء بدورها في سورية هذه الأيام؛ بدأت إيران تعيش عزلة حقيقية في العالم العربي والإسلامي. عزز هذه العزلة النفَس القومي الفارسي الاستعلائي الذي أصبح يطغى حتى على عبارات بعض الدبلوماسيين الإيرانيين! وبدأت الكثير من القوميات داخل إيران بالتحرك ضد هذه الموجة، وتطالب بالمساواة ومحاربة العنصرية التاريخية الفارسية، فإيران تتشكل من قوميات متعددة أهمها الفرس والأذر والعرب والكرد والبلوش وغيرهم، وقد تلعب هذه القوميات أدواراً صعبة في المستقبل القريب مع الطريقة الاستفزازية التي ينتهجها النظام هناك.

كما أن طائفية النظام وسلطويته أفقدته الكثير من المصداقية، وجلبت له الكثير من العداوات حتى داخل التيار الشيعي نفسه، مما يستثير التيارات الأخرى سواء الشيعية أو السنية أو الديانات الأخرى في إيران، وهي أيضاً مرشحة لأن تعمل دوراً كبيراً في زعزعة استقرار إيران طالما لم تغير سياساتها المتسلطة.

المثقفون والتيارات الإصلاحية بشتى أطيافها في إيران تشعر بحالة من الإحباط الشديد تجاه النظام الإيراني، خصوصاً مع الحكومة المتشددة الحالية، خاصة مع انتشار الخرافة والأفكار المتطرفة، إلى درجة دعوة الرئيس بنفسه لرؤساء الدول في اجتماع الأمم المتحدة للإيمان بالمهدي المنتظر ورجعته! هذه الحالة المتأزمة داخل إيران التي تحوي العديد من العلماء والمثقفين الكبار لا يمكن أن تستمر بهذا الوضع، وبنظري أن الانتخابات القادمة ستحوي الكثير من الأحداث والمزيد من الاصطدام الحاد إن لم يستدرك النظام ذلك وهو أمر مستبعد. كما إن تشجيع أميركا والغرب للثائرين داخل إيران؛ إلى درجة تصريح كلينتون باستعداد أميركا للمساعدة العسكرية مؤخراً قد يكون له آثاره المستقبلية.

الأحداث في سورية لا تخرج عن هذا السياق، حيث الاستغلال الإيراني للنظام البعثي هناك، وفي حال سقوطه ـ وهو متوقع إلى درجة كبيرة ـ فستخسر إيران الكثير من نفوذها ونقاط القوة التي كانت تتمتع بها! ولو نجحت الثورة هناك فسيتلوها انكسار للنفوذ الإيراني في لبنان ممثلاً في حزب الله، وقد تكون بداية لانحسار الثورة الإيرانية والله أعلم.

خلاصة هذه الوقائع؛ أن إيران ضعيفة في الداخل والخارج حالياً، وهي تمر بمخاض عسير لا ندري إلى أين سينتهي! وأتمنى ألا تلجأ إلى إشعال المنطقة بأسرها للاستماتة في الحفاظ على وجودها، وقانا الله شر الفتن وأدام علينا الأمن والاستقرار وجميع البلاد العربية والإسلامية.