المداد الذي انسكب في الصحف خلال الأيام الماضية وربما في قادم الأيام عن خصال ومناقب وأدوار ـ المغفور له بإذن الله ـ الأمير سلطان بن عبدالعزيز حاول استقصاء جوانب متعددة من حياة الأمير العريضة والحافلة، والملاحظ أن الذين كتبوا أو تحدثوا عن الأمير ومناقبه لم يكونوا خاصته أو القريبين منه، وإنما جاء الحديث من أطياف واسعة في المجتمع، ما يعبر بوضوح عن حجم وسعة وشمولية الدور الذي كان يقوم به الأمير سلطان، إن على المستوى الوظيفي أو على المستوى الشخصي، ما أستطيع أن أتحدث عنه في هذه السطور هو الإشارة إلى دوره في برنامج الإصلاح الإداري الذي ارتبط باسمه.. فاللجنة العليا للإصلاح الإداري التي تأسست في عام 1383 استمدت قوتها وحراكها وفاعليتها من الأمير سلطان، الذي كان يولي ملف الإصلاح الإداري اهتماما خاصاً، انعكس في حجم وعدد القرارات التي أصدرتها اللجنة، وأحدثت تغييرا واضحا في الهيكلة الإدارية للقطاعات الحكومية، وأسهمت بشكل جلي في تطوير الأداء في بعض الأجهزة الحكومية والرفع من كفاءتها ومستوى جودتها، وبحسب مصادر اللجنة فإن اللجنة أصدرت (80) قراراً مفصلياً في أجهزة الدولة، ومن البديهي أن يكون الأمير سلطان بصفته رئيساً للجنة قد قام بالدور الأهم في هذه القرارات التي أثبتت جدواها في تطوير عدد من القطاعات الحكومية.
الآن والمملكة تودع شخصية بحجم ومكانة الأمير سلطان وفي ظل الظروف المحيطة بالمملكة يصبح من الأهمية إبراز ملف الإصلاح الإداري، بوصفه البوابة الرئيسة لبرنامج الإصلاح الشامل الذي تتوخاه الدولة ويريده المواطن، ومن المهم أيضاً أن يكون فتح ملفات الإصلاح الإداري مرتبطاً بالقدرة على تجاوز ترهلات وبيروقراطية القطاعات الحكومية، ومراجعة معايير وضوابط التعيين في الوظائف القيادية، والعمل على ترسية معايير للمراجعة وفحص الأداء والنتائج، فالمعضلة التي نعاني منها هي أنه لا توجد معايير وأدوات لقياس مستوى الأداء وفحص المخرجات النهائية لخدمات القطاعات الحكومية، وهذه الثغرة سمحت لبعض المسؤولين باستمراء التجريب والهدر المالي وتبني البرامج غير المجدية.
إن وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيزـ يرحمه الله ـ الذي يعتبر من المؤسسين للدولة السعودية الحديثة، بقدر ما تفتح الآفاق على الدور الذي قام به خلال حياته الحافلة بالعطاء وخدمة الوطن، بقدر ما تحفز على استكمال ملفات الإصلاح الإداري الذي تنبثق منه جوانب الإصلاح الشامل الذي أصبح شرطاً للخروج من التأثيرات السلبية للمرحلة الحالية.
وإذا كان الأمير سلطان قد عزز من قوة وفاعلية اللجنة العليا للإصلاح الإداري إثر توليه ولاية العهد؛ فإن التعيين التلقائي السلس للأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد يفتح الباب واسعاً للطموحات والآمال في أن يستأثر ملف الإصلاح بالنصيب الأكبر من اهتمام وأعمال سموه، خاصة أن الأمير نايف يملك من التجربة والحنكة والنجاح ما يؤهله لأن يقود المرحلة القادمة من ملفات الإصلاح برؤية حازمة، تستحضر مؤشرات الأداء والإنجاز للقطاعات الحكومية، وتعيد رسم خارطة أولويات الملف الإصلاحي تجاه القضايا والموضوعات ذات المساس المباشر بحياة المواطن وهمومه، ولعل الأمير نايف وبحكم خلفيته الأمنية يولي موضوع التنظيم الأمني الداخلي مزيداً من الاهتمام والتركيز، وإذا كان برنامج مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الوطني حقق نجاحاً مشهوداً، فإن موضوع الأمن الجنائي الداخلي يحتاج إلى المزيد من الجهود، فمع النمو السكاني ونسبة إلى تواجد أعداد كبيرة من الوافدين في المملكة، فقد تتزايد نسبة جرائم وقضايا السرقات والتعديات، وهو ما يقتضي إجراء وتنفيذ معالجات سريعة وناجعة تقوم على تطوير أنظمة الإدارة الأمنية في قطاعات الأمن الداخلي، بما في ذلك تعزيز أفراد الشرطة والدوريات الأمنية وتوفير أدوات ووسائل مكافحة الجرائم الجنائية، إضافة إلى تطوير آليات وإجراءات هيئة التحقيق والادعاء العام.