خيانات زوجية وحالات اكتئاب وتردد في اتخاذ القرارات، تلك أغلب مشاكل الحالات المترددة على العيادة النفسية بمستشفى النساء والولادة والأطفال بالمدينة المنورة، أغلبها ـ بحسب المختصين ـ أتى هارباً من مستشفى الصحة النفسية خشية أن يُفتح له ملف طبي هناك وتجنبا لوصمة المرض النفسي، فيما انسحب البعض الآخر من مراجعة العيادة بعد أن ذهبوا لرقاة شرعيين، وحذروهم من أن "أدوية الطب النفسي تؤدي إلى الإدمان، وأن ما يعانون منه هو تنسيم بالرأس أو سحر أو عين".
العيادة النفسية المصغرة تم افتتاحها في 12 ذي القعدة 1427 وتتكون من ثلاث عيادات لإرشاد المقبلين على الزواج والاستشارات الزوجية والأسرية وطب نفسي النساء، حيث بلغ عدد الحالات المترددة 992، والحالات الجديدة 520، والاستشارات الزوجية والأسرية 67 حالة، فيما بلغ عدد استشارات ما قبل الزواج 18 حالة، ويعمل بها فريق طبي معالج مكون من طبيب استشاري نفسي وطبيبة أخصائية طب نفسي، وأخصائي نفسي، وممرضة وأخصائية اجتماعية.
قال مدير مستشفى الصحة النفسية بالمدينة المنورة الدكتور أحمد حافظ لـ"الوطن" إن "الهدف الأساسي من إنشاء العيادة النفسية بمستشفى النساء والولادة والأطفال هو الخروج بالخدمة النفسية إلى المستشفيات العامة، نزولاً عند رغبة المرضى والمعالجين، لرفض بعضهم مراجعة مستشفى الصحة النفسية، وتحقيقاً للخطة الاستراتيجية لمنظمة الصحة العالمية بنشر العيادات النفسية بكافة المستشفيات العامة على مستوى العالم".
وأضاف أن "العيادة تقدم ثلاثة أنواع من الخدمات، الخدمة الأولى "إرشاد نفسي للمقبلين على الزواج، حيث تقدم للمراجعين التوعية والتثقيف الجنسي بطريقة سليمة للشاب والفتاة"، محذراً بالوقت ذاته من اكتسابهم لتلك المعلومات من الأفلام الإباحية التي تقدم معلومات خاطئة حول ذلك، ويجهل الشاب أو الفتاة أنها أفلام دعائية هدفها ربح مادي فقط.
وأشار الدكتور حافظ إلى أن الخدمة الثانية التي تقدمها العيادة النفسية هي الاستشارات الزوجية والأسرية، وتستقبل العيادة حالات متنوعة لا يعاني أصحابها جميعا من أمراض نفسية، بل إن بعضها يأتي طالباً المشورة".
وعن أغرب الحالات التي وردت لهذه العيادة قال "جاءنا رجل مثقف وواع اكتشف خيانة زوجته له، حضر للعيادة لطرح مشكلته على المتخصصين، وأخرى زوجها يلاحق النساء بنظراته فانتظرت ذات يوم عودته للمنزل، وبعد أن عاد قامت بالرقص له فطلقها بعد أن تسرب الشك إلى داخله بأنها "خانته"، وإلاّ من علمها الرقص!، وحالة مريض آخر يسافر سنوياً خارج المملكة، وعند سؤاله عن السبب قال إن هناك غناء ورقصا، وحينما سأله عن إمكانية ممارسته لذلك بالحلال مع زوجته، أجاب "زوجتي بنت ناس تصلي وتقرأ القرآن".
وتطرق الدكتور أحمد إلى عدد من المفاهيم الخاطئة، منها عدم وجود توعية للفتيات حول العلاقة الزوجية، حيث تنشأ منذ طفولتها على أن ذلك "عيب ولا يجوز الحديث عنه"، وعندما تتزوج يصبح ذلك العيب واجباً شرعياً عليها.
واستشهد على ذلك بحالة لسيدة متزوجة منذ 27 عاما عندما تبادر بطلب العلاقة الزوجية من زوجها يقابل طلبها بالرفض والشك بخيانته، فلديه اعتقاد أنه من العيب أن تبادر هي بطلب ذلك، حتى بدأت في الانحراف بالتعرف على شباب عن طريق الإنترنت بحثاً عن الإشباع العاطفي.
وطالب الدكتور حافظ بأن يكون هناك توعية وتثقيف جنسي منذ مرحلة ما قبل المدرسة، وتوعية الأطفال بالسلوكيات الصحيحة والخاطئة كمواضع التقبيل والحركات المقبولة وغير المـقبولة، وكذلك إدراج التوعية والتثقيف الجنسي بمناهج التربية والتعليم.
وأضاف أن الخدمة الثالثة التي تقدمها العيادة الـنفسية "عيادة الطب النفسي للنساء" والتي تعالج المشاكل النفسية للنساء، مشيرا إلى توجهات لفتح عيادات نفسية في كافة مستشفيات المدينة المنورة الحكومية.
فيما أشار مدير الخدمة النفسية بصحة المدينة الأخصائي النفسي ناصر الذبياني إلى قلة عدد المراجعين لعيادة "إرشاد ما قبل الزواج"، والذين بلغ عددهم خلال أربعة أعوام 18 حالة فقط، رغم أنها الوحيدة على مستوى المملكة ـ حسب قوله ـ، مرجعا ذلك إلى الجهل بأهمية الإرشاد ما قبل الزواج، وعدم التواصل بين مختبر الفحص قبل الـزواج والـعيادة النـفسية، وضعف الإعلان عنها بالمستشفى والإعلام، وعدم وجود منشورات لها في مراكز الفحص والمستشفيات، إضافة إلى نظرة المجتمع لزائر العيادة النفسية، وعدم وجود تثقيف في الجامعات والمدارس، وعدم وجود خلفية لدى المأذون الشرعي عن أهمية الإرشاد ما قبل الزواج.
وأضاف أنه في الوقت ذاته هناك زيادة عدد الحالات المراجعة للعيادتين الأخريين لعدة أسباب، منها الهروب من مسمى الصحة النفسية، كما أن بعض المراجعين لديهم أمراض عُصابية يرون أنها لا تستدعي مراجعة مستشفى الصحة النفسية.
وقال الذبياني إن أكثر المقبلين على العيادات النفسية هم النساء، لأنهن الأضعف، والأكثر تأثراً بالمشاكل، في حين يرى الرجل أنه قيادي، ولا يحتاج إلى مراجعة العيادات النفسية، مشيراً إلى أن بعض الأزواج يرفضون أن تراجع زوجاتهم للعلاج النفسي، ويتحرج أن يحضرها للعيادة النفسية، بينما يعتقد بعضهم أن زوجته تعاني من "سحر"، فيتجه بها للرقاة.
وحول أسباب قلة المراجعين لعيادة إرشاد ما قبل الزواج، ترى أخصائية الطب النفسي الدكتورة هيام فتحي عبدالفتاح أن أغلب مشاكل المقبلين على عيادة إرشاد ما قبل الزواج سببها قلة الوعي والتثقيف الجنسي، مشيرة إلى أن العيادة تقدم للمقبلين على الزواج التوعية الاجتماعية والجنسية، وكيفية التعامل مع شريك الحياة.