وحده الموت يأتي واثقا من نفسه ومن إنجازه.

يأتي مجللا بالمهابة ونور اليقين. الموت ليس غريبا فهو يحدث كل يوم، لكنه يبدو غريبا عليك حين يسحب حبيبك من يدك ويمضي دون التفات.

رأينا الموت هكذا غريبا حين أخذ منا وجهنا الطلق وبشاشتنا السمحة وابتسامتنا الشهيرة سلطان بن عبدالعزيز، الاسم الذي رنّ في مسامعنا منذ وعينا مقرونا بالحكمة والعطاء، ناهضا بمسؤولياته في بلادنا حتى صار جزءا من حياتنا كالشمس.

عبر أسبوعين، حاصرني الموت حتى قلت إنه كاد أن يفاتحني في نفسي، لكنه لم يفعل. مات عمّي في بداية الأسبوع، وترك فاطمة يتيمة عندي ليفضح عجزي عن انتزاعها من أنياب اليتم التي اكتملت عليها.

وفيما كنت أتابع الصلاة على الأمير سلطان رحمه الله تصلني رسالة فيها خبر موت سعود الحسن، أحد أصدقائي وزملاء الدراسة.

قابلت سعود قبل شهر وكان يعاني من آثار جلطة، قلت له أرجوك ترفق بنفسك فنحن نحتاجك معنا، لا تمت قريبا، قال لي: أنا أترفق بنفسي لكن الموت ما هو شغلي.

كان سعود أيام الدراسة أصغرنا سنا، وكان مترفا يملك ما لا يملك الآخرون، لكنه أكثرنا مسؤولية والتزاما، وأصدقنا قولا، وأصفانا ابتسامة.

الموت لا ألم له، الألم هو الفراق، فراق أنفسنا في أحبابنا.

حين نحزن على راحل فنحن نحزن على أنفسنا. هناك نسخة منا تموت معه، فنحن نبكي عليها.

أنا لي نسخ كثيرة، بعدد معارفي، كل نسخة تختلف عن الأخرى، فأنا عند سعود الحسن غير ما أنا عند عمي، وغير ما أنا عند أبي، وغير ما أنا عند أي صديق آخر.

هذا الأسبوع ماتت نسختان مني أمام عيني. ستتابع النسخ حتى يلحقها الأصل قريبا أو بعيدا.

كل الألى رحلوا كانوا لنا فرحا

كانوا لنا العيد إذ كنا لهم عيدا

كانوا المرايا لنا، غبنا بغيبتهم

من كان للقدر المرصود مرصودا؟

لا آه إلا ومن عمري نزفتُ لها

آهٍ على العمر، كم في آهةٍ صِيدا