هل يعقل أن يسمح الجيش السوري بتصويرعمليات التعذيب التي يقوم بها أفراده ضد مواطنيهم المدنيين المسالمين؟ في بداية الأمر شكك الناس في مصداقية هذه المشاهد البربرية لجنود يعذبون الأطفال ويدوسون بالأحذية على أجساد الكبار ويضربونهم بها على وجوههم ويطلبون منهم النطق بكلمات مذلة لكرامتهم ومهينة لإنسانيتهم وتتعارض مع دينهم. فمن الطبيعي ألا يصدق أحد كيف وافق هؤلاء الجنود للغير بأن يصوروهم لينشروا فضائح وحشيتهم على الفضائيات، وبالتالي لابد أن يكون هناك هدف خبيث للنظام السوري يسعى لتحقيقه من خلال التعمد في نشرصورالبطش والتقتيل بدم بارد! ولذلك على الفضائيات العربية وقف نشر هذه المشاهد المقززة للنفس البشرية.

مع تزايد نشر هذه المناظر الوحشية بدأ يتكشف على السطح احتمالان كلاهما أشد إيلاماً وأكثر امتهانا للنفس. الأول أن النظام السوري يهدف من وراء نشر مشاهد تعذيب الشعب توجيه رسالة ترهيبية لهم: بأن قبضة النظام قوية وباطشة.. وأن مصير المتظاهرين والمعارضين التمزيق الجسدي بكل وحشية والتنكيل والإذلال لإنسانيتهم. وغاية هذه الرسالة تخويف المعارضين ليرجعوا إلى بيوتهم مستسلمين لقبضة النظام.

الاحتمال الثاني ويبدو واهياً من الوهلة الأولى غير أنه لو كان صحيحاً فإنه يعكس الحالة السيئة التي تعيشها سوريا في الوقت الراهن بسبب العسكر. فهناك تسريبات إعلامية تقول إن أفراداً من الجيش يتعمدون تصوير مشاهد التعذيب ليبيعوها إلى الفضائيات ووكالات الإعلام. ولعل في هذا السلوك دليلا على وجود فساد وتربح من عمليات التعذيب نتيجة تردي أوضاع المعيشة في ظل أخبارعن تأخير معاشات قطاعات كبيرة من الموظفين وصلت إلى داخل الجيش نفسه.

قد يُفسر نشر فيدو التعذيب بأنه فضح لما يجري في سوريا، وهو أمر منطقي ولكنه من جانب آخر يخدم النظام حين يستخدمه لترويع المواطنين وتخويفهم لوأد ثورتهم. لذلك لابد أن تتوقف الفضائيات العربية عن نشر هذه الممارسات غير الإنسانية التي يمارسها العسكر في سوريا ضد شعب مسالم وأعزل وعليها أن تركز على نقل غليان المد الشعبي في الشوارع والبلدات والمدن ففيها دعم وتشجيع لهم بدلاً من ترويعهم بمشاهد التعذيب. ولعل في ذلك كفا لأيدي المصورين العسكريين الذين يعصرون أجساد الأبرياء ليبيعوا صراخهم وأنينهم بثمن بخس. فنحن لا نريد رؤية أرواح الأطفال والحرائر معذبة ولا نريد رؤية كرامة الرجال معفرة ولكن نريدها مناضلة وأبية في كل نشرة أخبارعلى مدار الساعة.