هدد وزير الخارجية السوري بأن يقيم الدنيا ولا يقعدها على دول أوروبا التي تسمح لأي شخص باعتداء على سفارة بلاده، وأن تتم معاملة سفارات هذه الدول بالمثل. انصاعت الدول الأوروبية لهذا التهديد، لأنها تتذكر جيدا ما حدث مع سفارة الولايات المتحدة في طهران عندما اندلعت الثورة الخمينية. بعد أن استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد قرار يدين أعمال النظام السوري ضد الشعب ويطالب بإيقاع عقوبات أكثر حزما على النظام السوري، قرر النظام السوري أن يكافئ الدولتين ويعاقب بقية دول المجلس اقتصاديا. قاطعت سوريا الدولار واليورو واستبدلتهما بالروبل واليوان، مؤكدا أن هذا الإجراء سوف يدمر اقتصاديات أوروبا وأميركا.
تجاوزالنظام السوري للعرف العربي الذي اعتمده الدبلوماسي الكبير في مسرحية "باي باي ياعرب"، كان مفاجأة للجميع. اتفقنا منذ سنين طويلة أن نستنكر ثم نشجب ثم ندين. النظام السوري هدد وهذا سببه بالتأكيد أن القضية لا ينفع معها الأسلوب العربي، بحكم أنها قضية حياة أوموت. هذه المخالفة تستدعي أن تتصرف الجامعة العربية مع النظام السوري بأسلوب يلائم خرقها للعرف، وأن تستخدم معها مصطلحات مختلفة تناسب المرحلة.
الجامعة العربية ليست مجموعة من الكليات والمعامل ومراكز الأبحاث كما يوحي اسمها، إنها كيان سياسي جامع للدول العربية برغم أن المسمى لا يعكس حقيقتها. ليس هناك جيش عربي يجمع هذه الدول، وليس هناك سوق يجعلها مجتمعة، كما أنه ليس هناك عملة جامعة لدولها.
هذه "الجامعة"، كل دولة فيها مهما كان حجمها ومساهمتها في الجامعة لها حق "الفيتو". ولا أبالغ إذا قلت إنها أحد الأسباب المهمة لظهور الدكتاتوريات في العالم العربي من أمثال صدام حسين ومعمر القذافي وغيرهما، فمنصات مؤتمرات قمتها كانت المنبر الذي تنازع عليه هؤلاء ليكونوا زعماء ولو بترديد ما يقوله "ماو" أو"كاسترو".
الاستثناء الوحيد الذي أدت فيه الجامعة العربية دورها الذي يتوقعه المواطن العربي، هوالحالة الليبية. ماذا فعلت الجامعة عندما ظهرت الثورة الليبية؟ لقد خرجت من الصورة ومنحت تفويضا لمجلس الأمن ليتخذ الإجراء المناسب لدعم المجلس الانتقالي في حربه لتحرير ليبيا من قبضة القذافي. هل هناك شيء غريب في هذه المعادلة؟ نعم عزيزي القارئ. نجحت الجامعة العربية عندما خرجت من الصورة. المنظمات الناجحة تحتاج إلى أن تكون بيدها صلاحيات تنفيذ القرارات أو سلطة إلزام المتجاوزين بالعودة عن تجاوزاتهم. لهذا كانت الجامعة العربية مقرا للاستنكار والإدانة والشجب طول هذه السنين مع إضافة الرفض كمصطلح كان مخصصا لإسرائيل.
غيرة الجامعة من النظام السوري واستخدامه "التهديد باتخاذ إجراءات"، واستخدامه سلاح "المقاطعة" أيضا، جعلها تصحو من سباتها وتستخدم مصطلحا جديدا سيبقى على مر التاريخ دليلا على الإبداع العربي، مصطلح "الامتعاض". قرأت الخبر وفي خلفيتي اللغوية أن الامتعاض يعني عدم الارتياح، لم أصدق واخترت أن أذهب لمعجم أفهم منه معنى هذا المصطلح الجديد، وإليكم ما وجدت:
"معض (لسان العرب) : معض من ذلك الأمر، يمعض معضا ومعضا وامتعض منه: غضب وشق عليه وأوجعه؛ وفي التهذيب: معض من شيء سمعه؛ قال رؤبة: ذا معضٍ لولا ترد المعضا وفي حديث سعد: لما قتل رستم بالقادسية بعث إلى الناس خالد بن عرفطة، وهوابن أخته، فامتعض الناس امتعاضا شديدا أي شق عليهم وعظم. وفي حديث ابن سيرين: تستأمر اليتيمة فإن معضت لم تنكح أي شق عليها، وفي حديث سراقة: تمعضت الفرس، قال أبوموسى: هكذا روي في المعجم ولعله من هذا، وفي نسخة: فنهضت. قال ابن الأثير: ولوكان بالصاد المهملة من المعص، وهو التواء الرجل، لكان وجها. وقال ثعلب: معض معضا غضب، وكلام العرب امتعض، أراد كلام العرب المشهور؛ وأمعضه إمعاضا ومعضه تمعيضا: أنزل به ذلك. وأمعضني الأمر: أوجعني.وبنو ماعضٍ: قوم درجوا في الدهر الأول. وقال أبو عمرو: المعاضة من الإبل التي ترفع ذنبها عند نتاجها" انتهى .
إذا فقد امتعض العرب.
الشعب السوري قررأن يستخدم مصطلحه هو الآخر – فهي حرب مصطلحات على ما يبدو. "القامعة " العربية هو ما خرج به الشعب السوري كمسمى جديد للجامعة. قمع المتظاهرين، وإعطاء المهلة تلو الأخرى لنظام يستغل هذه المهل لقتل المزيد من الشعب الأعزل. الحصيلة تجاوزت الثلاثمائة قتيل خلال المهلة التي منحتها الجامعة العربية للنظام السوري ليجري مؤتمرا يتحاور فيه مع معارضته. الشيء الذي نعرفه جميعا هو أن النظام لا يعترف أصلا بالمعارضة فكيف يحاورها؟ وفي المقابل، المعارضة تطالب بإسقاط النظام وغير مستعدة للحوار معه أصلا.
كيف تتوقع الجامعة أن تحقق المهلة أي شيء سوى المزيد من الدماء والقتل؟ وكأننا نساهم في هذا القتل والهدم للمساجد والمنازل أيتها الجامعة.