أتساءل: ما شكل علاقة السعوديين بـ"مستر جوجل" قبل سفرهم لأي مدينة في العالم خاصة إن كانوا سيقيمون فيها كالمبتعثين! ما الذي يبحثون عنه فيه بالضبط! فهو بمثابة خبير بكل شيء الترجمة والخرائط والمعلومات والتاريخ والمدن..إلخ! وخير معين للمسافر، لأنه يوفر الوقت في قراءة الكتب والبحث عن خرائط ويقدم لك وجبة دسمة من المعلومات عن أي مدينة! مع ذلك أفاجأ ببعضهم لا يستخدمونه قبل سفرهم إلا في السؤال عن أهم المناطق التي تتوافر فيها المطاعم والمقاهي العربية! ولهذا حين يسافرون لا يعرفون أهم المناطق الثقافية في تلك المدن، والمشكلة أن بعض هؤلاء مع وجود جوجل تجده "تائها" لا يعرف أين يذهب وكيف؟
وهنا يبدو نوع آخر من المبتعثين السعوديين، فهؤلاء ممن يريدون اكتشاف الآخر والتعرف عليه باتزان، ولكن يمنعهم أنهم يحملون الكثير من المخاوف منه بسبب تراكمات ثقافية، ولكن الأهم من ذلك هو افتقادهم للكثير من أدوات البحث المعرفي على الأقل الاعتماد على مستر جوجل واستخدام الخرائط، كما أنهم يفتقدون القدرة على الحوار، ولا أقصد هنا باللغة لأنهم حتما سيتعلمونها مع الوقت، لكن ما أقصده القدرة على تقديم أنفسهم وهوياتهم دون خجل أو شعور بعدم الثقة بالنفس أمام الآخر، ولهذا هؤلاء المبتعثون يعانون من خمول معرفي وبحثي، والفضل لمدارسنا وجامعاتنا التي لم تعلمهم أبسط الطرق في البحث عن المعلومة، ما دام بعض الأساتذة والأستاذات يقبلون البحوث التي يشتريها الطلاب من المكتبات لتوضع الدرجات ببساطة!
وخلال تجربة إقامتي البسيطة في إحدى المدن الأميركية، لاحظتُ ذلك في بعض السعوديين، إذ يسألني أحدهم عن كيفية استخدام الخريطة! وأهم الأماكن التي يمكنه أن يذهب إليها ويزورها فيها، وكنت توقعت وصوله للتو، ففاجأني بأن له عدة أسابيع ولا يعرف سوى طريق المعهد! وحين أخبرته عن أهم المناطق والمراكز السياحية والثقافية كالمتاحف! تفاجأ بمسمياتها رغم أنها معروفة جدا، فسألته: لماذا اخترت هذه المدينة للدراسة ما دمت لا تعرف عنها شيئا؟ أجابني "المكتب الذي فوضه بمراسلة المعهد وإحضار القبول هو من اختارها له؟ "سألته مرة ثانية: هل تعرف "مستر جوجل" ألم تحاول التعرف على مدينتك قبل سفرك؟ قال ببساطة "لا"، "طيب ولا بعد سفرك؟ ، الإجابة "لا".
طبعا هذا الشاب أحييه، يبدو عليه الحماس العلمي والمعرفي وهو يحاول ولا يمل رغم أنه لا يحسن اللغة لكني شعرتُ بمخاوفه من الاحتكاك بالآخر في ظل افتقاره للأدوات التي تسهل عليه معاناته، ولكن يبدو أنه يدفع ثمن ما لا ذنب له به، بل ذنب مدارسنا وثقافتنا الاتكالية، إلا أن وجوده مع بعض المبتعثين القدماء أثار فضولي، فبعضهم له ما يقارب العام، ولهذا سألته: لماذا لم تسأل زملاءك السعوديين قبلي، فصعقني بـ: أنهم لا يعرفون غير المنطقة المحيطة بالمعهد فقط؟ قلت له إذن تعرف المتحف الأميركي لتاريخ الطبيعة أكيد زرته معهم؟ أجاب: لا؟ ما هو؟ قلت له"ابحث عنه في مستر جوجل" ولكم التعليق!