هنا الوفاء يملأ المكان والزمان, فالوفاء في السراء والضراء هو السمة السعودية الأبرز، وقد أثبت الشعب السعودي الأبي ذلك عمليا هذا العام بأكثر من طريقة؛ الوفاء في السراء جاءت به المشاعر الصادقة عند عودة سيد الوطن معافى من الرحلة العلاجية, والوفاء في الضراء ظهر عندما فجع الوطن برحيل سلطان الخير، فكانت الأحزان في كل بيت تعلن عن تماسك هذه الأسرة السعودية الكبيرة ومحبتها.

وقد تجلت أعظم صور هذا الوفاء عندما غادر خادم الحرمين الشريفين المستشفى، ليقول لنا إن الخطب أكبر من الجراح ومن الألم، ليستقبل جثمان أخيه ويصلي عليه ويتقبل العزاء فيه, في مشهد ارتقى به ابن عبد العزيز إلى موقف مشابه لموقف أبيه الملك المؤسس ـ رحمه الله ـ عندما أصيب في إحدى معارك التوحيد ليعطي أعظم الدروس في رفع الروح المعنوية, بل إن ألم عبد الله الابن ألمان: ألم الجراح وألم فراق الأخ والصديق ورفيق الدرب. وهو عندما صدر أمره الكريم وخياره الأكرم بجعل الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد، فهو إنما يبادل هذا الشعب الوفاء للخيار نفسه.

الوفاء هو سمة نايف المسؤولية, فوفاؤه أولا للشرع بتطبيق عدالته، ثم للوطن بالذود عن حماه وحفظ حقوقه وصيانة منجزاته، ثم للمواطن بالعدل والمساواة وحفظ كرامته والسهر على راحته. نايف بن عبد العزيز تاريخ مشرف وميزان للوسطية, عرفته المسؤولية مشرفًا على الحج، أعظم مسؤوليات الدولة, محاربًا للمخدرات وللإرهاب وللبطالة, آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر, وفيا للسُّنَّة والمناصحة والوسطية، مجادلا بالبلاغة والحجة والحكمة، مدافعا عن الحق بالفكر والعمل.

هذا النايف، يخطئ من يختزل جهده في الجانب الأمني ويصفه برجل الأمن فقط. نايف بن عبد العزيز رجل الأمن الأول ورجل التنمية الأول, كيف لا وهو المشرف على جميع مناطق المملكة وعلى أمنها وعلى نمائها, فمهام ولي العهد طيلة تاريخه العملي تتجاوز حدود الوظيفة والمنصب إلى حدود الوفاء للقيادة وللشعب, حدود هي قدَرَه وهي حسن حظنا. وعندما يقول المواطن السعودي (أبايع في العسر واليسر والمنشط والمكره) فهو إنما يقولها إيمانا ومحبة وثقة بمن يستحقها, وهذا هو سر أسرار هذا الوفاء وتفسيره.

نبارك لكل أبناء الوطن وبناته, نبارك لهم سلامة قائد الأمة، نبارك لهم هذا القرار الذي بدت بركاته في توقيته، فقد جاء في غرة ذي الحجة وبداية عشره التي قال عنها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام ). نبارك ونبايع خيار الملك والأمة، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، وليا لعهد المملكة العربية السعودية.