قبل توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ كانت مناطق وقبائل الجزيرة العربية تعاني من عدم استتباب الأمن، فالمقيم أو الحاج أو المسافر كان يعاني من الخوف على نفسه وماله في أي لحظة، إلى جانب تعدد القبائل والإمارات المنعزلة بأحجام صغيرة ودون جدوى اقتصادية، حالة يصفها الأجداد بالخوف والرعب والخوف من المستقبل، حالة جعلت العديد من العائلات تهاجر إلى خارج الجزيرة العربية بحثاً عن الرزق والمستقبل، ولكن في بلاد مستقرة وواعدة أمنياً وسياسياً واقتصادياً. في مثل هذه الظروف القاهرة والتحديات السياسية الداخلية والخارجية وما يواجهه العالم في حينه من حروب عالمية، ومع قلة المال والسلاح والرجال، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى أولاً، استطاع الملك عبدالعزيز توحيد المملكة على مراحل زمنية حتى تشكل نموذج الدولة التي نعايشها ونلمس مزاياها، وفيها تم توحيد الناس ولمّ شتاتهم وتوجيههم بقيادة موحدة ومستقبل واحد، مع فرض الأمن والاستقرار السياسي، لتختفي مظاهر التسيب الأمني والخوف بين الناس، حاضرتهم وباديتهم، مقيمهم ومسافرهم، حاجهم ومعتمرهم، هكذا أصبحت المملكة، بفضل من الله، آمنة مطمئة بعد ما كانت عليه من ضياع وخوف.

وهكذا أصبحت المملكة مضرب الأمثال والإعجاب في جميع بقاع العالم، وخصوصاً في الجانب الأمني، شهادات تاريخية قرأناها وسمعناها، سواءً على المستوى الإعلامي العام أو الرسمي أو حتى على مستوى التجارب والزيارات الشخصية، ومنها ما كان يبديه أحد أساتذتي في الولايات المتحدة من إطراء وإعجاب بما تتمتع به المملكة من استقرار أمني، فقد كان يقول – وهو يعيش في حي راق- وبكل حسرة إنه يتمنى أن يغادر منزله في كل يوم دون خوف على عائلته. ويقول "إني أغبطكم على ما تتمتعون به من استقرار أمني نموذجي"، وهذا ما يقول به أبناء وبنات العاملين الأمريكيين الذين عملوا في أرامكو السعودية وعاشوا في السعودية لعقود طويلة، والذين زاملناهم أثناء دراستنا في الولايات المتحدة، كما يضيفون بأنهم يفتقدون كثيراً الحياة في المملكة ويفتقدون بشكل أكبر الجانب الأمني مقارنة بما يواجهونه كل يوم في بلدهم – الولايات المتحدة الأمريكية – من خوف وتوجس.

توحيد المملكة قام على عدة أسس، أهمها ترسيخ الجانب الأمني. وتأمين الأمن والأمان للمواطن والمقيم ـ على حد سواء ـ أساس مطلوب، وليس اختيارياً، لتأسيس واستقرار أي دولة، جانب حافظت عليه المملكة على مدار التاريخ الحديث، وعلى مدى عدة عقود، ولأكثر من 80 سنة. كما حافظت وأثبتت الدولة قوة وشرعية وأهمية وقبول الجانب الأمني من الدولة والمواطن على حد سواء في عدة مناسبات وحوادث وتهديدات داخلية وخارجية، منها على سبيل المثال لا الحصر، محاولة احتلال الحرم المكي الغاشمة في الثمانينات الميلادية، والهجمات الإرهابية التخريبية في التسعينات وبداية الألفية الثالثة الميلادية، في كل هذه المحاولات التخريبية، وقفت المملكة، قيادة وشعباً، وقفت وقفة فارس، وقفة مجاهد، وقفة رجال ونساء بواسل، المدنيون جنباً إلى جنب مع العسكريين أمام هذه المحاولات، عوامل أمنية تكاملية – تلاحم وتكاتف القيادة والشعب – تضمن إفشال أي مخطط أو محاولة لخلخلة الأمن واستقرار الوطن.

وعندما نستعرض هذه الإنجازات الوطنية في الجانب الأمني، فإننا ندين بالفضل في هذه الإنجازات لله عز وجل أولاً، ثم لقيادة الدولة ـ حفظها الله ـ ولجميع أبناء وبنات الشعب السعودي، كما أنه للتاريخ ولتوثيق الحقائق ولحفظ الحقوق ونسبة المنجزات لأهلها، فإننا يجب أن ندين بالفضل والشكر والتقدير لرجل ورمز الأمن الأول، سمو ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ حيث قام سموه الكريم، وبدعم ومتابعة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ بقيادة وإدارة الملف الأمني في المملكة خلال العقود الثلاثة السابقة، ليس كرجل عسكري، ولكن كقائد وطني محنك يملك بعد نظر، ويتحلى بالخلق والصبر مع الحزم، صفات مطلوبة للقيادات وخصوصاً في أوقات الأزمات. الأمير نايف نجح وبشكل واضح في إدارة الملف الأمني كما كان ديدن سابقه وسلفه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ إبان إدارته لوزارة الداخلية.

إن خلفية وخبرة وتاريخ سمو ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ في الجانب الأمني، وإيمانه بأهمية مشاركة المواطن كرجل أمن أول، عوامل مهمة في نجاح أي قائد، وهذا ما يقوله التاريخ، فالملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ كان قائداً عسكرياً أرسى قواعد وأسس الأمن، إلى جانب قيادته المدنية والاقتصادية، وكذلك فعل أبناؤه الملوك ـ رحمهم الله ـ، ومنهم الملك فهد ـ رحمه الله ـ الذي قاد الملف الأمني من خلال وزارة الداخلية حتى توليه الملك، كما فعل ذلك أيضاً خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ـ حفظه الله ـ ، والذي تولى رئاسة الحرس الوطني لعدة عقود وأشرف على تطويره ونقله كماً ونوعاً، إلى حين توليه الملك، حفظه الله وأبقاه ذخراً ونصراً وعزاً للوطن وأبنائه وبناته.

سمو ولي العـهد الأمير نايف ـ حفظه الله ـ وإدراكاً منه لأهمية الجوانب التنموية والإنسانية الأخرى, وأنها مكملة للجانب الأمني وليست منفصلة عنه، أدار عدة ملفات داخلية وخارجية، ففي الجانب الاقتصادي الداخلي، قام بالإشراف المباشر ورئاسة مجلس القوى العاملة والمعني بسعودة الوظائف في القطاع الخاص، وكان أول من نادى بسعودة الوظائف وعمل بشكل مؤسساتي على إدارة هذا الملف، ولأن قضية سعودة الوظائف وما يرتبط بها من سلبيات، مثل انتشار البطالة، مرتبطة بشكل وثيق بالجانب الأمني، فقد كان من الطبيعي أن يتصدى لهذا الملف الشائك ويوليه جل وقته واهتمامه رغم انشغاله بمهام وواجبات أكثر تعقيداً وحساسية.

جميع الجوانب التنموية الاقتصادية والإنسانية التي تلمس احتياجات الوطن والمواطن كانت وما زالت محل اهتمام سمو ولي العهد الأمير نايف، فما أمن المواطن والعمل على توفير فرص وظيفية شريفة وعادلة لأبناء وبنات الوطن ودعم الأعمال الإنسانية في الداخل والخارج وتشجيع المشاريع التعليمية الإسلامية والعلمية إلا بعض النماذج والمنجزات لسمو ولي العهد ـ حفظه الله ـ في خدمة هذا الوطن المعطاء، والأمل معقود على سموه الكريم في الاستمرار ببناء وتوفير مستقبل أفضل واستقرار سياسي وأمني واقتصادي لوطننا الغالي.