"الوطن ومصلحته فوق الجميع"، برأيي أن هذه القاعدة هي التي كانت وراء كثير من القرارات الحاسمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولن ينسى جيلي أبداً تلك المواقف الشجاعة في إقرار ما يراه الملك لمصلحة هذا الوطن، ولربما كان القرار الأخير بتعيين الأمير نايف ولياً للعهد، من تلكم القرارات التاريخية التي سنذكرها للملك عبدالله بكل الامتنان، فمصلحة الوطن كانت تحتّم اختيار رجل ذي كاريزما وتأريخ سياسي طويل، لاجتياز المرحلة التي نمرّ بها كمجتمع ووطن، ونحن بحاجة لولي عهد قوي وحازم وذي خبرة عريضة يكون سنداً لوالدنا خادم الحرمين الشريفين في هذه المرحلة.

كان السؤال الذي دار بيني وبين بعض النخب، ما هي السمات والمؤهلات التي جعلت من الأمير نايف موضع ثقة المليك، والرجل الثاني بعده في هذه الدولة؟، وأجزم أن حزمه وقوته ومجابهته للإرهاب والإرهابيين، واستئصاله لقواعدهم، بما لم تستطع دول كثيرة ذلك، من أهم الميّزات في سجلّه، سيما أنّ الوطن اليوم مهدّد من إيران الصفوية، فضلاً على القلاقل في خاصرتنا الشمالية بالعراق، وهناك في الجنوب اليمن ومشاكله، وكل تلك الظروف نحتاج فيها -كوطن ومجتمع- إلى رجل ملمّ تماماً بالتيارات والحراك الداخلي والخارجي، وصاحب قرار حاسم، وهو ما يتوافر سموه عليه، وهذه النقطة تحديداً جعلت من الرئيس أوباما يسرع في مباركة تعيين سموه، مؤكداً: "لقد خدم الأمير نايف بن عبد العزيز أمته بتفانٍ وتميّز لأكثر من 35 عاماً بصفته وزيرا للداخلية، وتسلم منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء منذ عام 2009، ونحن في الولايات المتحدة نعرفه ونكنّ له كل الاحترام نظير التزامه القوي بمكافحة الإرهاب ودعم السلام والأمن الإقليميين".

وقبل هذا، ثمة دافعٌ آخر، يتمثّل بأن الأمير نايف بن عبدالعزيز في سدّة المسؤولية منذ خمسين عاماً ونيّف، وواكب بدايات التأسيس، وكان من صنّاع القرار في كل مراحل الدولة التي مرّت بها، لذلك هو من داخل الدائرة التي كانت تحكم وتبني هذه الدولة، وهذا مهم جداً، كي تستمرّ عملية البناء والإصلاح بدون انعطافات أو بطء.

في رأيي، من أهمّ ما سيفيد الوطن من شخصية سموه، هو معرفته بثقل التيارات الوطنية، والحراك الداخلي فيها، ولطالما استطاع إحداث التوازن المطلوب، إبّان احتداد المعارك المجتمعية، فيتدخل ويحسم الأمر، ويرضى الجميع، ولذا سيمضي الإصلاح قدماً بدون خضّات مجتمعية، اتكاءً لخبرة الأمير نايف الطويلة في التعامل مع النخب والعلماء، وإن كان موقعه في وزارة الداخلية حتّم عليه أن يتعامل بطريقة خاصة تبدّت فيها الروح الأمنية.

ولعل ترحيب سموه بقرار الملك عبدالله وقتما أصدر أمراً ملكياً بالسماح للمرأة بالترشيح والانتخاب في الانتخابات البلدية وأن تكون بعضوية كاملة في مجلس الشورى، هو ردّ على أولئك اللاغطين بأن سموه ضدّ المرأة، بل يقيناً - وأجزم بذلك - أن المسيرة ستمضي مراعية قيمنا الإسلامية المحافظة، وأتكل على قدرة سموه في التعامل مع علمائنا الذين سيتفهمون المتغيرات التي نمرّ بها، ولا أصدق من موقف سماحة والدنا مفتي عام المملكة وقتما رحّب بقرار الملك في تعيين المرأة عضوة كاملة في مجلس الشورى، تحقيقاً للمصلحة العامة.

في الأيام الفارطة، خاضت معظم القنوات العربية والغربية في كنْه ولي العهد القادم، ويؤسفني فعلاً أن أجهزة الإعلام المحسوبة علينا، ما تزال (الفوبيا) تتلبسها، وتحجم عن الخوض والمناقشة في موضوعات هي في الصميم من حراكنا الداخلي، ونترك لقنوات (الجزيرة) و (الحرة) و الـ(بي بي سي) و (العالم) أن تناقش أمورنا الداخلية بكل ما تحمله من أجندات خاصة بها، وتستضيف البؤساء أو المأزومين من إخوتنا الحقوقيين لينفثوا عُقدهم على بلادنا عبر تلك القنوات، فيما النخب الوطنية التي لا نشكّ في ولائها وإخلاصها لهذا الوطن، تلتحف الصمت وتلوك الحسرة، لعدم استطاعتها الحديث، لأن الحديث في هذا الموضوع سيجيّر عليها بأنه نوع من الحديث فيما لا ينبغي، أو أنه تسجيل لمواقف، وتعصف بما يقولونه الظنون، وليت إعلامنا يتيح مساحة معقولة للحديث، فوسائل الميديا والاتصالات لم تبق ولم تذر شيئاً، ومن غير المعقول، أن تناقش قضايانا وأمورنا، شديدة الخصوصية، من قبل مأزومين في القنوات الكبرى، فيما نحن مُحجمون..

أختم بالقول: هنيئاً للوطن بنايف، وله منا الدعاء والمساندة على الأمانة الكبيرة التي حملها، ورهاناً: مسيرة الإصلاح ستمضي.