في منتصف القرن العشرين ازدهرت الأغنية العربية، وبرز عمالقة الفن في مصر، شعراء وملحنون ومطربون، عبدالوهاب، السنباطي، أم كلثوم، الموجي، عبدالحليم، بليغ.. وكان فرسان الكلمة حاضرين بقوة.. مرسي جميل عزيز، كامل الشناوي، أحمد شفيق كامل.. وغيرهم.

رسم هؤلاء ملامح الأغنية العربية، بل أسسوا لهوية الأغنية العربية، ولاحقا تأثر بهم بعض فناني الشام والخليج.

هذه الهوية كان أساسها ثقافيا بالطبع، له جذوره الغائرة في الشخصية العربية، كانت لحظات اللوعة والفراق، ومشاعر الأسى والحزن، واليأس، والهجر، والحرمان، والبكاء، والأرق، وأحلام اليقظة أعراض الحب المريض الذي تدور في فلكه الأغنية العربية في ذلك الزمن، هذا الحب الذي ربما انتهى بصاحبيه إلى أقرب مصحة نفسية.

العود يتحسر.. الناي يقطع القلب.. والكمنجة لا تتوقف عن البكاء، أما المطرب فيتوحد في هذا الجو الكئيب، وربما أضاف موالا حزينا، حتى تكتمل المأساة.

يكفي أن تقرأ اسم الأغنية لتخرج بانطباع عن المأتم الذي سوف تعيشه: (حبك نار) (لا تكذبي) (للصبر حدود) بل إن عبدالوهاب غنى (لا مش أنا اللي أبكي) وهو يبكي في كل أغانيه!

هذا الفن شوه صورة الحب في اللاوعي العربي، فأصبح الحب نكدا، وحزنا، ووسوسة، وشكا، وغيرة حتى من "نسمة الهوى"!

ظهر الرحابنة وفيروز، فثاروا على هذه الأمراض (العربية)، وبعثوا الأمل من جديد في الحياة، كان الحب في أعمال الرحابنة طبيعيا، لا صنعة فيه ولا تكلف، كان بسيطا، معبرا، واضحا، متسامحا، بل إن مفهوم الحب في أعمالهم كان مخالفا للمفهوم السائد في الذهنية العربية، والذي يرتبط بعلاقة بين حبيبين يعيش أحدهما أو كلاهما معزولا، ذاوي العود نحيلا، فاقدا للذاكرة إلا من الحبيب! كان الحب في أعمال الرحابنة يتضمن المكان، الإنسان، الوطن، الطفولة وحتى الطبيعة، كان وجوديا، فطريا، يشمل كل شيء، يبدأ بالإنسان ويعود إليه. وعندما حل زياد مكان الأخوين، تجدد الجمال، وعاد الحب إلى صباه، وأشرق صوت فيروز من جديد عذوبة وصفاء.. ولا يزال.

يقول أحد معجبيها: "في صوت فيروز تجتمع كل الطيور".